كيف روي الحديث؟
بعد نهي النبي عن كتابته يحسب الذين لا خبرة لهم بالعلم، ولا علم عندهم بالخبرة، أن أحاديث الرسول التي يقرؤونها في الكتب، أو يسمعونها ممن يتحدثون بها، قد جاءت صحيحة المبنى محكمة التأليف، وأن ألفاظها قد وصلت إلى الرواة مصونة كما نطبق النبي بها، بلا تحريف فيها ولا تبديل.
وكذلك يحسبون أن الصحابة ومن جاء من بعدهم، ممن حملوا عنهم أحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى زمن التدوين، قد نقلوا هذه الأحاديث بنصها كما سمعوها، وأدوها على وجهها كما تلقوها، فلم ينلها تغيير ولا اعتراها تبديل، ومما وقر في أذهان الناس أن هؤلاء الرواة قد كانوا جميعا صنفا خاصا بين بني آدم في جودة الحفظ، وكمال الضبط وقوة الذاكرة، وأن أذهانهم قد فطرت على صورة خاصة غير ما فطرت عليه أذهان البشر جميعا، فكل ما يسمعونه ينقش على ألواحها، فلا تفلت منه كلمة، ولا يشذ عنه حرف.
ولقد كان ولا جرم لهذا الفهم أثر بالغ في أفكار شيوخ الدين - إلا من عصم ربك - فاعتقدوا أن هذه الأحاديث في منزلة آيات الكتاب العزيز، من وجوب التسليم بها، وفرض الإذعان لأحكامها، بحيث يأثم أو يرتد أو يفسق من يخالفها، ويستتاب من أنكرها أو شك فيها.
من أجل ذلك رأينا أن نشبع القول في هذا الأمر، ليعلم الناس وجه الحق فيه، ويدركوا أن الأحاديث التي جاءتهم عن رسول الله صلوات الله عليه قد رويت عنه بمعناها، لما لم يستطيعوا أن يأتوا بها على حقيقة مبناها، لنسيان أصلها أو لمضي الزمن عليها في أذهانهم عندما رووها، وأن كل راو قد روى ما بقي في ذهنه من هذا المعنى بعد أن عجزت ذاكرته عن ضبط ألفاظه. ولم يكونوا قد عنوا في أول الأمر بتدوينه، وعلى أن الأمر قد جرى على رواية الحديث بالمعنى، حتى لم يختلف