لأنه رأى النبي صلى الله عليه وآله يعوذ بهما الحسن والحسين فأقام على ظنه، ولا نقول إنه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والأنصار - وأما إسقاطه الفاتحة من مصحفه فليس لظنه أنها ليست من القرآن، معاذ الله! ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشك والنسيان، والزيادة والنقصان، ورأى أن ذلك مأمون في سورة الحمد لقصرها ووجوب تعلمها على كل أحد...
ومما يشاكل ما نقل عن ابن مسعود، ما نقل عن أبي بن كعب، أنه كتب في مصحفه سورتين تسميان سورتي الخلع والحقد، كان يقنت بهما وهما: اللهم إنا نستعينك، ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نخشى عذابك ونرجو رحمتك إن عذابك بالكفار ملحق. وقد تعرض القاضي لذكر ذلك في الانتصار فقال: إن كلام القنوت المروي أن أبي بن كعب أثبته في مصحفه لم تقم الحجة بأنه قرآن منزل بل هو ضرب من الدعاء، وإنه لو كان قرآنا لنقل نقل القرآن وحصل العلم بصحته، وإنه يمكن أن يكون منه كلام كان قرآنا منزلا ثم نسخ وأبيح الدعاء به وخلط بكلام ليس بقرآن - ولم يصح ذلك عنه - وإنما روى عنه أنه أثبته في مصحفه، وقد أثبت في مصحفه ما ليس بقرآن من دعاء وتأويل.
المشكل الثاني:
نقل عن زيد بن ثابت أنه قال في أثناء ذكره لحديث جمع القرآن في المصحف - وهو الجمع الأول - وكان ذلك في عهد أبي بكر الصديق: فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدهما مع أحد غيره " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم... " إلى آخرها، ونقل عنه أنه قال: لما نسخنا المصحف في المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب، كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين: " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه "، وقد وقع هذا الجمع الثاني، وكان ذلك في عهد عثمان، وقد اختلف