وإما لرفع الجهالة عن نفسه. ومنهم من يكذب فيدعي سماع ما لم يسمع ولقاء من لم يلق ويحدث بأحاديثهم الصحيحة عنهم، ومنهم من يعمد إلى كلام الصحابة وغيرهم وحكم العرب والحكماء فينسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا، وإن لوضع الحديث والكذب على رسول الله أسبابا كثيرة غير التي تكلم عنها النووي من قبل بينها العلماء نأتي هنا على أهمها (1).
أحدها - وهو أهمها ما وضعه الزنادقة اللابسون لباس الإسلام غشا ونفاقا وقصدهم بذلك إفساد الدين وإيقاع الخلاف والافتراق في المسلمين - قال حماد بن زيد:
وضعت الزنادقة أربعة آلاف حديث، وهذا بحسب ما وصل إليه علمه واختباره في كشف كذبها، وإلا فقد نقل المحدثون أن زنديقا واحدا وضع هذا المقدار قالوا: لما أخذ ابن أبي العوجاء ليضرب عنقه قال: " وضعت فيكم أربعة آلاف حديث، أحرم فيها الحلال وأحل الحرام ".
ثانيها - الوضع لنصرة المذاهب في أصول الدين وفروعه: فإن المسلمين لما تفرقوا شيعا ومذاهب جعل كل فريق يستفرغ ما في وسعه لإثبات مذهبه لا سيما بعد ما فتح عليهم باب المجادلة والمناظرة في المذاهب، ولم يكن المقصود من ذلك إلا إفحام مناظره والظهور عليه حتى إنهم جعلوا " الخلاف " علما صنفوا فيه المصنفات مع أن دينهم ما عادى شيئا كما عادى الخلاف. وهذا السبب يشبه أن يكون أثرا من آثار السبب الذي قبله - وقد استشهد لهذا بعض المحدثين الذين كتبوا في أسباب الوضع بقوله: تاب رجل من المبتدعة فجعل يقول: انظروا عمن تأخذون هذا الحديث، فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا. وليس الوضع لنصرة المذاهب محصورا في المبتدعة وأهل المذاهب في الأصول، بل إن من أهل السنة المختلفين في الفروع من وضع أحاديث كثيرة لنصرة مذهبه أو تعظيم إمامه...
وإليك حديثا واحدا وهو " يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس، ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي "، قالوا: وفي إسناده وضاعان أحدهما مأمون بن أحمد السلمي والآخر أحمد بن عبد الله الخونباري. وقد رواه الخطيب عن أبي هريرة مرفوعا، واقتصر على ما ذكره في