تعرض في طرقها، لا سيما أو الجرح مقدم عند الأكثر، فيؤديه الاجتهاد إلى ترك الأخذ بما يعرض مثل ذلك فيه من الأحاديث وطرق الأسانيد، ويكثر ذلك فتقل روايته لضعف في الطرق (1).
كلمة عامة ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن علماء الجرح والتعديل قد بذلوا جهدا كبيرا في تمحيص ما روي من أحاديث رسول الله مما يستحقون عليه الثناء الطيب والتقدير الحق.
بيد أنهم على فضلهم وتدقيقهم، لم يبلغوا الغاية من عملهم، إذ لا تزال كتب الحديث تحمل الكثير من الأحاديث المشكلة، أو التي يبدو عليها الوضع.
ولم يكن ذلك عن تقصير منهم - رحمهم الله - لأنهم قد بذلوا كل طاقتهم في عملهم، وإنما كان ذلك لأمر فوق قدرتهم البشرية، ذلك بأن حكمهم على الرجال إنما كان (لظاهر أحوالهم) وما وصل إلى علمهم من أخبارهم، أما بواطنهم، ودخائل نفوسهم ومطويات ضمائرهم، فهذا أمر من وراء إدراكهم لا يطلع عليه إلا علام الغيوب، ورب رجل حسن السمت طيب المظهر، إذا كشف عن دخيلته تبين لك سوء مخبره، وهذا أمر لا يمتري فيه أحد، وقد تكلم فيه العلماء المحققون، قال مجتهد اليمن الوزير اليماني في الروض الباسم (2):
إن الإجماع منعقد على الاعتبار بالظاهر دون الباطن، ومن نجم نفاقه، وظهر كفره يترك حديثه ومن (ظهر إسلامه) وأمانته وصدقه قبل وإن كان في الباطن خلاف ما ظهر منه، فقد عملنا بما وجب علينا وبذلنا في طلب الحق جهدنا، وقد كان رسول الله يعمل بالظاهر ويتبرأ من علم الباطن، وإلى ذلك الإشارة في هذه الآية بقوله: " لا تعلمهم نحن نعلمهم " أي أنه صلى الله عليه وآله لم يمكن يعلم المنافقين وذلك في الآية " 101 " من سورة التوبة ونصها: " وممن حولكم من الأعراب منافقون، ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم، نحن نعلمهم، سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم ".