الكلام على كتب الحديث ونبين منزلته من الصحة وقيمته بينها.
والمسند - أن يجعل جميع ما يروى عن كل صحابي - أي ما يسند إليه - في باب على حدة مهما كان موضوع الحديث، وأيا كانت درجته من الصحة إذ لم يكن قد ظهر تمييز الصحيح من غير الصحيح في التأليف.
ولقد كانت هذه المسانيد تحمل الأحاديث الصحيحة والموضوعة كما قلنا، وجرى العمل على هذا النهج حتى ظهر البخاري وطبقته فانتقل التدوين إلى:
" الطور الرابع " وهو طور " التنقيح والاختيار " كما ذكرنا آنفا، فوضعوا كتبا مختصرة في الحديث اختاروا فيها ما رأوا أنه من الصحيح على طريقتهم في البحث، كما فعل البخاري ومسلم ومن تبعهما، وسنتكلم عن هذه الكتب كلها عند الكلام على كتب الحديث، وهذا الطور من التصنيف هو الأخير، إذ أصبحت هذه الكتب هي المعتمدة عند أهل السنة، أما الشيعة فلهم كتب في الحديث يعتمدون عليها ولا يثقون إلا بها، ولكل قوم سنة وإمامها.
وبهذا يخلص لك أن التدوين المعتمد لدى الجمهور لم يقع إلا حوالي منتصف القرن الثالث إلى القرن الرابع..
أثر تأخير التدوين:
لما تركت أحاديث الرسول صلوات الله عليه بغير تدوين في عهده ولم ينهض الصحابة من بعده لكتابتها كما كتبوا القرآن، اتسعت أبواب الرواية عن رسول الله لكل ذي هوى زائغ، أو دخلة سيئة، من غير خوف من ضمير ولا وازع من دين فرووا ما شاءوا أن يرووا (1).
ولو أن المسلمين الأولين أو من دخلوا في الإسلام - من بعد - كانوا طبقة واحدة في الصدق، ودرجة متساوية في العدل وكمال السيرة، أو لو أن الرواية قد وقفت على من أطلقوا عليهم اسم الصحبة الصحيحة، وربطت الكتابة ما روى في عهد الخلفاء الراشدين، لكان عسى أن يكون النقل مقصورا على ما قاله النبي صلوات الله عليه بغير زيادة ولا نقص، ولجاءت الأحاديث كلها صحيحة لا شك فيها - ومن ثم