ولما تكلم عن عمر الدنيا قال: كان المعتمد في ذلك في صدر الإسلام آثارا منقولة عن الصحابة، وخصوصا مسلمة بني إسرائيل مثل كعب الأحبار ووهب ابن منبه وأمثالهما، وقال في حديثه عن تفسير القرآن:
وقد جمع المتقدمون في ذلك وأوعوا إلا أن كتبهم ومنقولاتهم تشتمل على الغث والسمين، والمقبول والمردود، والسبب في ذلك أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية، وإذا تشوقوا إلى معرفة شئ، مما تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات، وبدء الخليقة وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم، ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى، وأهل التوراة الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب، ومعظمهم من حمير الذين أخذوا بدين اليهودية، فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها، مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك وهؤلاء مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام وأمثالهم، فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم وتساهل المفسرون في مثل ذلك وملأوا كتب التفسير بهذه المنقولات. وأصلها كما قلنا عن أهل التوراة فتلقيت بالقبول من يومئذ (1).
وقال في بحث علوم الحديث (2).
إن الأئمة المجتهدين تفاوتوا في الإكثار من هذه الصناعة والإقلال فأبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: يقال بلغت روايته إلى 17 حديثا أو نحوها، ومالك رحمه الله إنما صح عنده ما في كتاب الموطأ وغايتها 300 حديث أو نحوها، وأحمد بن حنبل رحمه الله في مسنده 50 ألف حديث (3).. وإنما قلل منهم من قلل الرواية لأجل المطاعن التي تعترضه فيها، والعلل التي تعرض في طرقها، ولا سيما والجرح مقدم عند الأكثر فيؤديه الاجتهاد إلى ترك الأخذ بما يعرض مثل ذلك فيه من الأحاديث