الزمان، ومن راجع مقدمة الإمام مسلم، علم ما لحقه من التعب والعناء في تصنيف صحيحه، واطلع على ما أدخله الدخلاء في الدين وليس منه في شئ. لم يخف على أهل النظر في التاريخ أن الدين الإسلامي غشى أبصار العالم بلامع القوة، وعلا رؤس الأمم بسلطان السطوة وفاض في الناس فيضان السيول المنحدرة، ولاحت لهم فيه رغبات، وتمثلت لهم منه مرهبات، وقامت لأولي الألباب عليه آيات بينات، فكان الداخلون في الدين على هذه الأقسام: قوم اعتقدوا به إذعانا لحاجته واستضاءة بنوره وأولئك الصادقون، وقوم من ملل مختلفة انتحلوا لقبه واتسموا بسمته، إما لرغبة في مغانمه أو لرهبة من سطوات أهله، أو لتعزز بالانتساب إليه فتدثروا بدثاره، لكنهم لم يستشعروا بشعاره، لبسوا الإسلام على ظواهر أحوالهم، إلا أنه لم يمس أعشار قلوبهم، فهم كانوا على أديانهم في بواطنهم، ويضارعون المسلمين في ظواهرهم. وقد قال الله في قوم من أشباههم: " قالت الأعراب آمنا! قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم " فمن هؤلاء من كان يبالغ في الرياء حتى يظن الناس أنه من الأتقياء، فإذا أحس من قوم ثقة بقوله أخذ يروي لهم أحاديث دينه القديم مسندا لها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض أصحابه، ولهذا ترى جميع الإسرائيليات وما حوته شروح التوراة قد نقل إلى الكتب الإسلامية على أنه أحاديث نبوية (1). ومنهم من تعمد وضع الأحاديث التي لو رسخت معانيها في العقول أفسدت الأخلاق وحملت على التهاون بالأعمال الشرعية وفترت الهمم عن الانتصار للحق، كالأحاديث الدالة على انقضاء عمر الإسلام " والعياذ بالله أو المطمعة في عفو الله مع الانحراف عن شرعه، أو الحاملة على التسليم للقدر بترك العقل فيما يصلح الدين والدنيا. كل ذلك يضعه الواضعون قصدا لإفساد المسلمين وتحويلهم عن أصول دينهم. ليختل نظامهم ويضعف حولهم.
ومن الكاذبين قوم ظنوا أن التزيد في الأخبار والإكثار من القول، يرفع من شأن الدين، فهذروا بما شاءوا، يبتغون بذلك الأجر والثواب، ولن ينالهم إلا الوزر والعقاب، وهم الذين قال فهم مسلم في صحيحه ما رأيت الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث (2) ويريد " بالصالحين " أولئك الذين يطيلون