بسم الله الرحمن الرحيم [والذين اجتنبوا الطاغوت (1) أن يعبدوها وأنابوا إلى الله.
لهم البشرى، فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. أولئك الذين هداهم الله. وأولئك هم أولو الألباب] (آية 17، 18 من سورة الزمر) تعريف بالكتاب مما لا يكاد يختلف فيه اثنان، أو يحتاج في إثباته إلى برهان، أن للحديث المحمدي من جلال الشأن وعلو القدر ما يدعو إلى العناية الكاملة به، والبحث الدقيق عنه، حتى يدرس ما فيه من دين وأخلاق، وحكم وآداب، وغير ذلك مما ينفع المسلمين في دينهم ودنياهم. وعلى أنه بهذه المكانة الجليلة، والمنزلة الرفيعة، فإن العلماء والأدباء لم يولوه ما يستحق من العناية والدرس، وتركوا أمره لمن يسمون رجال الحديث يتداولونه فيما بينهم. ويدرسونه على طريقتهم - وطريقة هذه الفئة التي اتخذتها لنفسها قامت على قواعد جامدة لا تتغير ولا تتبدل. فترى المتقدمين منهم وهم الذين وضعوا هذه القواعد قد حصروا عنايتهم في معرفة رواة الحديث والبحث - على قدر الوسع - في تاريخهم. ولا عليهم بعد ذلك إن كان ما يصدر عن هؤلاء الرواة صحيحا في نفسه أو غير صحيح. معقولا أو غير معقول. ذلك بأنهم وقفوا بعلمهم عندما يتصل بالسند فحسب، أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شئ. ثم جاء المتأخرون منهم فقعدوا وراء الحدود التي أقامها من سبقهم، لا يتجاوزونها ولا يحيدون عنها، وبذلك جمد علم الرواية منذ القرون الأولى لا يتحرك ولا يتغير.