الإسرائيليات في الحديث لما قويت شوكة الدعوة المحمدية واشتد ساعدها، وتحطمت أمامها كل قوة تنازعها، لم ير من كانوا يقفون أمامها ويصدون عن سبيلها، إلا أن يكيدوا لها من طريق الحيلة والخداع، بعد أن عجزوا عن النيل منها بعدد القوة والنزاع.
ولما كان أشد الناس عداوة للذين آمنوا ليهود، لأنهم بزعمهم شعب الله المختار، فلا يعترفون لأحد غيرهم بفضل، ولا يقرون لنبي بعد موسى برسالة، فإن رهبانهم وأحبارهم لم يجدوا بدا - وبخاصة بعد أن غلبوا على أمرهم وأخرجوا من ديارهم (1) - من أن يستعينوا بالمكر، ويتوسلوا بالدهاء، لكي يصلوا إلى ما يبتغون، فهداهم المكر اليهودي إلى أن يتظاهروا بالإسلام ويطووا نفوسهم على دينهم، حتى يخفى كيدهم، ويجوز على المسلمين مكرهم، وقد كان أقوى هؤلاء الكهان دهاء وأشدهم مكرا، كعب الأحبار ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام. ولما وجدوا أن حيلهم قد راجت بما أظهروه من كاذب الورع والتقوى، وأن المسلمين قد سكنوا إليهم، واغتروا بهم، جعلوا أول همهم أن يضربوا المسلمين في صميم دينهم، وذلك بأن يدسوا إلى أصوله التي قام عليها ما يريدون من أساطير وخرافات، وأوهام وترهات لكي تهيئ هذه الأصول وتضعف. ولما عجزوا عن أن ينالوا من القرآن الكريم لأنه قد حفظ بالتدوين، واستظهره آلاف من المسلمين، وأنه قد أصبح بذلك في منعة من أن يزاد فيه كلمة أو يتدسس إليه حرف - اتجهوا إلى التحدث عن النبي فافتروا - ما شاءوا أن يفتروا - عليه أحاديث لم تصدر عنه (2)، وأعانهم على ذلك أن ما تحدث به النبي في حياته لم يكن محدود المعالم، ولا محفوظ الأصول، لأنه لم يكتب في عهده صلوات الله عليه كما كتب القرآن، ولا كتبه صحابته من بعده، وأن في