إذا صدق الكاذب في أمر يتعلق به وبعمله، أو بمصلحة الأمة، فإن الله تعالى يبين له ذلك ومنه ما كان، من بعض أزواجه، الذي نزل فيه أول سورة التحريم، وعلم من قوله تعالى فيها " قالت من أنبأك هذا؟؟ قال نبأني العليم الخبير " أي أنه لم يعلم المكيدة بملكة العصمة، بل بوحي الله تعالى بعد وقوعها. ومنه قوله تعالى فيما كان كذب عليه بعض المنافقين الذين اعتذروا عن الخروج معه (صلى الله عليه وسلم) إلى تبوك، " عفا الله عنك، لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ".
وما نقله الزرقاني من رأيه: أن ما روي عن الصحابي مما لا مجال للرأي فيه موقوفا عليه، فإن له حكم المرفوع، (وإن احتمل أخذ الصحابي له عن أهل الكتاب تحسينا للظن به) فهو رأي باطل مردود عليه، لا نتخذه قاعدة وأصلا في ديننا وما علله به ظاهر البطلان، إذ لا محل هنا لتحسين الظن، ولا لمقابله، فمن المعتاد المعهود من طباع البشر أن يصدقوا كل خبر لا يظهر لهم دليل على تهمة قائله فيه ولا على بطلانه في نفسه، فإذا صدق بعض الصحابة كعب الأحبار في بعض مفترياته التي كان يوهمهم أنه أخذها من التوراة أو غيرها من كتب أنبياء بني إسرائيل وهو من أحبارهم، أو في غير ذلك، فلا يستلزم هذا إساءة الظن فيهم، وإذا كانت هذه الخرافات الإسرائيلية مما يصد عن الإسلام ويجري الألسنة والأقلام بالطعن فيه، مع العلم بأنها مروية عمن لا تعد أقوالهم ولا آراؤهم نصوصا دينية، ولا أدلة شرعية، وإن كانوا من أفراد علماء السلف - كما هو واقع بالفعل - فكيف يكون موقفنا مع هؤلاء الطاعنين فيه من الملاحدة ودعاة الأديان المعادين للإسلام، والمسلمين من زنادقة المسلمين أيضا إذا قلنا إن كل تلك الترهات والخرافات الإسرائيلية إذا كان بعض رواتها من الصحابة فإنها تنتظم في سلك الأحاديث المرفوعة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ويجب الإيمان بها؟ ألا إن هذا باب واسع في الطعن في الإسلام والصد عنه، لو فتحه علينا من هو أكبر من الزرقاني من مقلدة القرون الوسطى المظلمة لأغلقناه في وجهه وقلنا له، إن علماء الأصول قد اتفقوا على أن طروء الاحتمال في المرفوع من وقائع الأحوال، يكسوها