جمعتكم لأن تميما الداري (1) كان رجلا نصرانيا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر ثم أرفأوا إلى جزيرة في البحر (2) حتى مغرب الشمس، وأنهم دخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الحساسة، ثم أشارت عليهم أن يتطلعوا إلى رجل في الدير وأشارت إليه.
فدخلوا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه خلقا، وأشده وثاقا مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، ولما عرف أمرهم وأنهم من العرب سألهم جملة أسئلة، وهم يجيبون عنها إلى أن قال لهم: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟
قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم! فأخبروه بأنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال: وإني مخبركم عني: إني أنا المسيح وإني أوشك (3) أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض أربعين يوما فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فإنهما محرمتان على كلتاهما. كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منهما استقبلني ملك بيده السيف مصلتا يصدني عنها، وبعد ما ذكر ذلك، طعن الرسول بمخصرته في المنبر وقال: هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة، يعني المدينة.
ولم يشأ أبو هريرة أن يدع هذا الخبر بغير أن يمسه بنفحة من غرائبه، فروى أن بين قرني الجساسة فرسخ للراكب!
وقد رأينا تعليقا على هذا الحديث للعلامة السيد رشيد رضا رحمه الله نثبته هنا في محله.
" حديث الجساسة الذي حدث به تميم الداري رسول الله وأخرجه مسلم في صحيحه مرفوعا من طرق يخالف بعضها بعضا في متنه - فهذا الخلاف في المتن علته