ولم نجد في هذا العصر، بل في العصور الأخيرة من فطن لدهاء كعب ووهب وكيدهما، مثل الفقيه المحدث السيد محمد رشيد رضا رحمه الله. وإني أنقل هنا بعض ما قاله في كعب خاصة، وفيه وفي زميله وهب عامة.
قال في كعب ردا على من وصفوه بأنه كان من أوعية العلم ما يلي (1):
إن ثبوت العلم الكثير لا يقتضي نفي الكذب. وكان جل علمه عندهم، ما يرويه عن التوراة ليقبل وغيرها من كتب قومه وينسبه إليها ليقبل، ولا شك أنه كان من أذكى علماء اليهود قبل إسلامه وأقدرهم على غش المسلمين بروايته بعده.
وقال عنه إنه كان من زنادقة اليهود الذين أظهروا الإسلام والعبادة لتقبل أقوالهم في الدين. وقد راجت دسيسته حتى انخدع به بعض الصحابة ورووا عنه، وصاروا يتناقلون قوله بدون إسناد إليه، حتى ظن بعض التابعين ومن بعدهم أنها مما سمعوه عن النبي، وأدخلها بعض المؤلفين في الموقوفات التي لها حكم المرفوع كما قال الحافظ ابن كثير في مواضع من تفسيره (2).
وقال عنه: إنه كان بركان الخرافات وأجزم بكذبه بل لا أثق بإيمانه (3). وقال فيهما معا - أي كعب ووهب (4).
" إن شر رواة هذه الإسرائيليات، أو أشد تلبيسا وخداعا للمسلمين هذان الرجلان. فلا تجد خرافة دخلت في كتب التفسير والتاريخ الإسلامي في أمور الخلق والتكوين والأنبياء وأقوامهم، والفتن والساعة والآخرة، إلا وهي منهما مضرب المثل - في كل واد أثر من ثعلبة - ولا يهولن أحد انخداع بعض الصحابة والتابعين بما بثاه وغيرهما من هذه الأخبار - فإن تصديق الكاذب لا يسلم منه أحد من البشر ولا المعصومين من الرسل: فإن العصمة إنما تتعلق بتبليغ الرسالة والعمل بها، فالرسل معصومون من الكذب ومن الخطأ في التبليغ ومن العمل بما ينافي ما جاءوا به التشريع، لأن هذا ينافي القدوة ويخل بإقامة الحجة. ولكن الرسول