من بعض رواة الصحيح، ولا يظهر حمله على تعدد القصة (1) ثم إن رواية الرسول له من تميم الداري - إن سلم سندها من العلل - هل تجعل الحديث ملحقا بما حدث به النبي (صلى الله عليه وسلم) من تلقاء نفسه، فيجزم بصدق أصله قياسا على إجازته (صلى الله عليه وسلم) أو تقريره للعمل، إذ يدل حله وجوازه؟ الظاهر لنا أن هذا القياس لا محل له هنا - والنبي ما كان يعلم الغيب فهو كسائر البشر يحمل كلام الناس على الصدق، إذا لم تحف به شبهة، وكثيرا ما صدق المنافقين والكفار في أحاديثهم وحديث العرينيين (2) وأصحاب بئر معونة مما يدل على ذلك، وإنما كان يعرف كذب بعض الكاذبين بالوحي، أو ببعض طرق الاختبار، أو إخبار الثقات ونحو ذلك، من طرق العلم البشري، وإنما يمتاز الأنبياء على غيرهم بالوحي والعصمة من الكذب - وما كان الوحي ينزل إلا في أمر الدين وما يتعلق بدعوته وحفظه وحفظ من جاء به، وتصديق الكاذب ليس كذبا، وحسبك أن تتأمل في هذا الباب عتاب الله لرسوله، إذ أذن لبعض المعتذرين من المنافقين في التخلف عن غزوة تبوك وما علله به وهو قوله " عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ".
وإذا جاز على الأنبياء والمرسلين أن يصدقوا الكاذب فيما لا يخل بأمر الدين ولا يترتب عليه حكم شرعي، ولا شئ ينافي منصب الرسالة، أفلا يجوز على من دونهم أن يصدقوا الكاذب في أي خبر لا تقوم القرينة على كذبه فيه؟ ومن صدق شيئا يجوز أن يحدث به من غير عزو إلى من سمعه منه (3).