على خلاف ما هو عليه سواء أكان عن عمد أم غير عمد.
وظللت على ذلك حتى حفزني حب عرفان الحق إلى أن أبحث عن أصل الحديث وروايته، وتاريخ حياته من المصادر الصحيحة، والأسانيد الوثيقة، لعلي أقف على شئ يذهب بما يحيك في صدري من حرج، ويصرف ما يغمر نفسي من ضيق. وذلك لأن هذا الأمر الجليل - لم يفرد من قبل بالتأليف الجامع الذي يشبع نهم الباحث، ويحقق بغية الطالب. ولبثت زمنا طويلا أبحث وأنقب فلا أدع كتابا يمكن أن يستفاد منه كلمة لما أنا بسبيله إلا قرأته في طلبها، لا آلو في ذلك جهدا، ولا أطاوع النفس عندما تسكن إلى الراحة، مما يدركها من ملل أو يغشاها من تعب، بل آخذها بالصبر والأناة والمطاولة، حتى انتهيت إلى حقائق عجيبة ونتائج خطيرة! ذلك أني وجدت أنه لا يكاد يوجد في كتب الحديث كلها مما سموه صحيحا، أو ما جعلوه حسنا - حديث - قد جاء على حقيقة لفظه ومحكم تركيبه، كما نطق الرسول به، ووجدت أن الصحيح منه على اصطلاحهم إن هو إلا معان مما فهمه بعض الرواة! وقد يوجد بعض ألفاظ مفردة بقيت على حقيقتها في بعض الأحاديث القصيرة وذلك في الفلتة والندرة، وتبين لي أن ما يسمونه في اصطلاحهم حديثا " صحيحا " إنما كانت صحته في نظر رواته، لا أنه صحيح في ذاته، وأن ما يقال عنه " متفق عليه " ليس المراد أنه متفق على صحته في نفس الأمر، وإنما المراد أن البخاري ومسلم قد اتفقا على إخراجه - وليس من شروط الحديث الصحيح أن يكون مقطوعا به في نفس الأمر لجواز الخطأ والنسيان والسهو على الثقة، ومن أجل ذلك جاءت الأحاديث وليس عليها من ضياء بلاغته صلوات الله عليه إلا نور خافت أو شعاع ضئيل.
ولا أحصى هنا كل ما انكشف لي، لأنه كثير جدا قد فصلناه في كتابنا هذا تفصيلا.
كان أول ما بان لي من هذه الحقائق، أن النبي صلوات الله عليه لم يجعل لحديثه كتابا يكتبونه عندما كان ينطق به كما جعل للقرآن الحكيم، وتركه ينطلق من غير قيد إلى أذهان السامعين، تخضعه الذاكرة لحكمها القاهر، الذي لا يستطيع إنسان مهما كان أن ينكره أو ينازع فيه، من سهو أو وهم، أو غلط أو نسيان.