أن يسأل. وتعجل عبيد الله بن عمر فقتل الهرمزان دون أن يسأل، وعاش كعب الأحبار هدا سبعة أعوام أو ثمانية دون أن يسأله أحد أو يتهمه أحد بالاشتراك في هذه المؤامرة، وكان كثيرا ما يدخل على عثمان، ثم ترك المدينة وذهب إلى حمص فأقام فيها حتى مات سنة اثنتين وثلاثين للهجرة، فمن أين استطاع المؤلف أن يؤكد وقوع هذه المؤامرة أولا ومشاركة كعب فيها ثانيا مع أن المسلمين قد غضبوا حين تعجل عبيد الله ابن عمر حين قتل الهرمزان جهلا عليه ولم يقدمه إلى الخليفة ولم يقم عليه البينة لأنه شارك من قريب أو من بعيد في قتل أبيه. وقد ألح جماعة من المسلمين من أصحاب النبي على عثمان أن يقيم الحد على عبيد الله لأنه قتل مسلما دون أن يقاضيه إلى الإمام ودون أن يثبت عليه قتل عمر بالبينة. فعفا عنه عثمان مخافة أن يقول الناس قتل عمر أمس ويقتل ابنه اليوم. وعد الثائرون على عثمان هذا العفو أحد أغلاطه، وكان علي حين تولى الخلافة مزمعا معاقبة عبيد الله على فعلته تلك. ولكنه هرب من علي ولجأ إلى معاوية فعاش في ظله وقتل في موقعة صفين. ولم يسأل عثمان كعبا عن شئ ولم يتهمه أحد بشئ وقد ذهب من المدينة إلى الشام ومعاوية أمير عليها فعاش فيها حتى مات فلم يسأله عن شئ، فمن أين يأتي هذا التأكيد الذي ألح فيه المؤلف حتى لعن كعبا ولم يكن له ذلك، فالمعروف من أمر كعب أنه أسلم والمعروف كذلك أن لعن المسلمين غير جائز.
ومثل آخر في الصفحة 154 حين زعم أن أبا هريرة رحمه الله لم يصاحب النبي محبة له أو طلبا لما عنده من الدين والهدى وإنما صاحبه على ملء بطنه. كان مسكينا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يطعمه. والمؤلف يروي لإثبات ذلك حديثا رواه أحمد بن حنبل ورواه البخاري أيضا، ولكن مسلما روى هذا الحديث نفسه عن أبي هريرة. ونص الحديث عند مسلم أصرح وأوضح من نصه عند البخاري وابن حنبل فقد كان أبو هريرة يقول فيما روى مسلم أنه كان يخدم النبي على ملء بطنه. وفرق بين من يقول إنه كان يخدم ومن يقول إنه كان يصاحب، وحسن الظن في هذه المواطن شر من سوئه، وما أظن أبا هريرة أقبل من اليمن مع من أقبل منها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا ليؤمن به ولا ليأخذ عنه الدين بل ليملأ بطنه عنده.
هذا إسراف في التأويل وفي إساءة الظن.
والمؤلف شديد على أبي هريرة شدة أخشى أن يكون قد أسرف فيها شيئا.