ووقف هؤلاء وهؤلاء عند ظواهر الحديث كما أدت إليه الرواية مطمئنين إليها، آخذين بها من غير بحث فيها ولا تمحيص لها.
وعلى أنهم قد بذلوا أقصى جهدهم في دراسة علم الحديث من حيث العناية بسنده حتى قيل: " إن علم الحديث قد نضج واحترق " (1). فإنهم قد أهملوا جميعا أمرا خطيرا كان يجب أن يعرف قبل النظر في هذا العلم ودرس كتبه - ذلك هو البحث عن حقيقة النص الصحيح لما تحدث به النبي صلوات الله عليه. وهل أمر بكتابة هذا النص بلفظه عند إلقائه - كما فعل بالقرآن الكريم. أو تركه ونهى عن كتابته؟ وهل دونه الصحابة ومن بعدهم، أو انصرفوا عن تدوينه؟ وماذا كان أمرهم - ومن تبعهم - عندما أخذوا في روايته؟ وهل ما روي منه قد جاء مطابقا لحقيقة ما نطق به النبي - لفظا ومعنى - أو كان مخالفا له؟ وما هي العوامل التي تدسست إليه من نزعات أعدائه، والمؤثرات التي أصابته من أغراض أوليائه، حتى شيب بما ليس منه، وتسرب إليه ما هو غريب عنه؟ ثم في أي زمن دون ما حملته الرواية منه؟ وهل اتخذ التدوين طريقة واحدة لم تتغير على مد العصور وتوالي الأجيال؟ وفي أية صورة خرج أخيرا إلى الناس في كتبه التي اعتمد عليها الجمهور؟
وماذا كان موقف علماء الأمة منه؟ وما مبلغ ثقتهم به، ومدى اختلافهم فيه، بعد أن عراه ما عراه وتأثر بما تأثر به؟ وما إلى ذلك من الأمور المهمة التي يجب أن يعرفها كل مسلم أو باحث في الدين الإسلامي قبل النظر فيه، والأخذ بما تؤدي إليه ألفاظه ومعانيه.
أما هذا كله وغيره مما يتصل - بحياة الحديث وتاريخه - فقد انصرف عنه العلماء والباحثون، وتركوه أخبارا في بطون الكتب مبعثرة، وأقوالا بين ضمائر الأسفار مستترة، لا يضم نشرها كتاب ولا يعنى بتصنيفها باحث نقاب (2).
ولقد كان يجب عليهم قبل أن يشتغلوا بعلم الحديث أن يعرفوا تاريخ هذا