ويستعان بها على الترغيب في الخير والتخويف من الشر، وكل الأحاديث التي اعتمد عليها المؤلف في المواضع التي ضربنا لها الأمثال إنما هي أحاديث رواها الأفراد والآحاد فهي لا تفيد قطعا ولا يقينا، فما باله يرغب عن الإفراط في الثقة بهذه الأحاديث ثم يستدل بها هو ليتهم الناس بأشياء لا سبيل له إلى إثباتها.
وملاحظة أخيرة أختم بها هذا الحديث الذي أراه على طوله موجزا، وهي أن المؤلف قد أخذ في كتابه وهو يؤمن فيما يظهر بأنه لن يظفر برضى الناس عنه ولن يظفر برضى فريق من رجال الدين خاصة فعرض بهم أحيانا، واشتد عليهم أحيانا أخرى ووصفهم بالجمود حينا وبالتقليد حينا وبالحشوية أحيانا فأغرى هؤلاء الناس بنفسه وسلطهم على كتابه وخيل إليهم أنه يبغضهم ولا يراهم أهلا للبحث القيم والمحاولة لاستكشاف حقائق العلم. ولو أنه صبر حتى يخرج كتابه ويقرأه الناس ويسمع رأيهم فيه ونقدهم له لكان هذا الصبر خيرا له وأبقى عليه.
وأنا بعد ذلك أجدد اعترافي للمؤلف بجهده العنيف الخصب في تأليف هذا الكتاب وإخلاصه الصادق للعلم والحق في بحثه عن الحديث.
ولا بأس عليه من هذه الهنات التي أشرت إلى بعضها فالذين يبرؤون من النقص والتقصير أو الهفوات أحيانا لا يكادون يوجدون. وصدق بشار حين قال:
إذ أنت لم تشرب مرارا على القذى * ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه!
طه حسين