فنحن نعلم أن أبا هريرة كان كثير الحديث عن النبي وأن عمر شدد عليه في ذلك وأن بعض أصحاب النبي أنكروا بعض حديثه وأنه أخذ كثيرا عن كعب الأحبار.
وكان المؤلف يستطيع أن يسجل هذا كله تسجيلا موضوعيا كما يقال دون أن يقحم فيه غيظا أو موجدة. فهو لا يكتب قصة ولا يكتب أدبا فيظهر شخصيته بما ركب فيها من الغضب والغيظ والموجدة وإنما يكتب عالما وعالما يتصل بالدين وأخص مزايا العلماء ولا سيما في هذا العصر أنهم ينسون أنفسهم حين يكتبون العلم وأنهم يبحثون ويقررون بعقولهم لا بعواطفهم. فمن الظلم لأبي هريرة أن يقال إنه لم يصاحب النبي إلا ليأكل من طعامه. والذي نعلمه أنه أسلم وصلى مع النبي وسمع منه بعض أحاديثه.
فليقل فيه المؤلف إنه لم يصاحب النبي إلا ثلاث سنين وقد روى من الحديث أكثر مما روى المهاجرون الذين صحبوا النبي بمكة والمدينة، وأكثر من الأنصار الذين صاحبوا النبي منذ هاجر إلى المدينة حتى آثره الله بجواره. وهذا يكفي للتحفظ والاحتياط بإزاء ما يروى عنه من الحديث.
وأخرى أريد أن أثبتها هنا وهي أن المؤلف يقول في حديثه الطويل عن أبي هريرة إنه لحرصه على الأكل ورغبته في الطيبات كان يأكل عند معاوية ويصلي مع علي ويقول إن الأكل مع معاوية أدسم أو بعبارة أدق إن المضيرة عند معاوية أدسم، والمضيرة لون من الحلوى، وأن الصلاة مع علي أفضل.
وأريد أن أعرف كيف كان يجتمع لأبي هريرة أن يأكل عند معاوية ويصلي مع علي وقد كان أحدهما في العراق والآخر في الشام أو أحدهما في المدينة والآخر في الشام إلا أن يكون قد فعل ذلك أثناء الحرب في صفين. وما أحسبه كان يسلم لو فعله أثناء الحرب إذن لاتهمه أحد الفريقين بالنفاق والتجسس. وإنما هذا كلام قيل في بعض الكتب وكان يجب على الأستاذ المؤلف أن يتحقق منه قبل أن يثبته.
فهذا أيسر ما يجب على العلماء.
وبعد فالمؤلف يطيل في تأكيد ما اتفقت عليه جماعة المسلمين من أن الأحاديث التي يرويها الأفراد والآحاد كما يقول المحدثون لا تفيد القطع وإنما تفيد الظن وحده، ومن أجل ذلك لا يستدل المسلمون بهذه الأحاديث على أصول الدين وعقائده وإنما يستدلون بها أحيانا على الأحكام الفرعية في الفقه وعلى فضائل الأعمال