في المنتهى إن القول بالنجاسة هو المشهور عند علمائنا والظاهر هو الأول لصحيحة زرارة المتقدمة وغيرها من الروايات الأخرى مع أن الشيخ في الخلاف ادعى إجماع الفرقة على الطهارة واحتج العلامة في المنتهى على النجاسة بأنه مايع في وعاء نجس فكان نجسا كما لو أحلب في وعاء نجس ولأنه لو أصاب الميتة بعد حلية نجس فكذا لو انفصل قلبه لأن الملاقاة ثابتة في البابين وأجاب عن الروايات بأنها معارضة بما ذكره من الوجهين المذكورين وبرواية الفتح بن يزيد الجرجاني المتقدمة وبما رواه التهذيب في الباب المذكور والاستبصار في باب ما يجوز الانتفاع به من الميتة عن وهب عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) إن عليا (عليه السلام) سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن فقال علي (عليه السلام) ذلك الحرام محضا وأجاب في الملح بحملها على ما إذا قاربت الشاة الموت جمعا بين الأدلة والجواب عن الوجه الأول إن العموم الدال على نجاسة الملاقى للنجاسة إن كان مخصص بالروايات المذكورة إذ لا شك إنها صالحة للتخصيص فما المانع منه وعن الوجه الثاني إنه قياس وعن رواية الفتح بأنها خبر واحد غير نقي السند لا يصلح لمعارضة الأخبار الكثيرة المعتبرة مع أنك قد عرفت أن متنها لا يخلو عن تشويش ولا يصلح للتعويل وأيضا ما فيها من قوله (عليه السلام) ولا يتعدى إلى غيرها عام بالنسبة إلى هذه الروايات الواردة بطهارة اللبن فيجب أن يخصص بها وعن رواية وهب بأنها لا يصلح لمعارضة ما ذكر قال الشيخ في التهذيب هذه رواية شاذة لم يروها غير وهب بن وهب وهو ضعيف جدا عند أصحاب الحديث ولو كان صحيحا لجاز أن يكون الوجه فيه ضربا من التقية لأنها موافقة لمذاهب العامة لأنهم يحرمون كل شئ من الميتة ولا يجيزون استعماله على حال انتهى وعن الحمل المذكور بأنه مع بعده أي حاجة إلى تكلفه لان الأدلة التي ذكرها قد علمت أنها لا تصلح للمعارضة حتى يضطر إلى الجمع وقال ابن إدريس في السرائر اللبن نجس بغير خلاف عند المحصلين من أصحابنا لأنه مايع في ميتة ملامس لها قال وما أورده شيخنا في نهايته رواية شاذة مخالفة لأصول المذهب لا يعضدها كتاب الله ولا سنته مقطوع بها ولا إجماع انتهى وفساده بما ذكرنا ظاهر لا يحتاج إلى بيان هذا وقال صاحب المعالم والعجب من العلامة (ره) بعد تفسيره للإنفحة باللبن المستحيل وحكم بطهارتها للأخبار الدالة على ذلك مع تحقق وصف المايعية فيها كيف يجعل اعتبار الملاقاة مع المايعية ها هنا معارضا للخبر انتهى وكأنه لا عجب على ما ذكرنا سابقا من أن الإنفحة كأنها ليست مايعة على الاطلاق بل هي لبن منجمد وأيضا قد فرق العلامة في المنتهى بين الإنفحة واللبن بالحاجة لكن فيه ضعف ثم أنه لو أريد الاحتياط في المسألة فإن مكن أن يباع اللبن المذكور من مستحلي الميتة فينبغي أن يباع منهم وإن لم يمكن فإن أكله غير البالغين فأحوط وإن أكله البالغ فيحتاط في تطهير ما لاقاه وكذا يحتاط في تطهير الأطفال لو أكلوه واعلم إن العلامة (ره) في المنتهى جعل محل النزاع لبن الميتة المأكولة لحمها بالذكاة ولم يتعرض للغير المأكولة ولم أقف في كلامه غيره على الفرق بينهما والظاهر بالنظر إلى الروايات عدم الفرق وصاحب المعالم بعد تردده في إنفحة الميتة الغير المأكولة اللحم بالوجه الذي نقلنا منه كأن ينبغي أن يتردد في لبنها أيضا لجريان الوجه من غير تفرقة على ما نعلم لكنه لم يتعرض له أصلا ووجهه غير ظاهر ولا يخفى إن الاحتياط هنا في الاجتناب عنه وإهراقه لو لم يتصور فيه منفعة ولو تصور فضبط واحتيط في تطهير ما لاقاه (ولا ينجس ميتة ما لا نفس له ولا دمه ولا منيه) أما الدم و المني فقد مر الكلام فيهما مفصلا وأما الميتة فقد قال العلامة في المنتهى اتفق علماؤنا على أن ما لا نفس له سائلة من الحيوانات لا ينجس بالموت ولا يؤثر في نجاسة ما يلاقيه وقال المحقق في المعتبر إن عدم نجاسة ما هذا شأنه وانتفاء التنجيس به مذهب علمائنا أجمع والشيخ أيضا في الخلاف ادعى الاجماع على عدم نجاسته بالموت وقد عرفت سابقا إن الشيخ في النهاية حكم بنجاسة العقرب بالموت وهو يناقض ما ادعوه من الاجماع ولعلهم أرادوا الاجماع فيما سوى العقرب بقرينة إنهم يذكرون حكم العقرب على حدة ولا يخلو عن بعد وبالجملة حكم العقرب قد عرفته مشروحا وأما ما سواها فيدل على عدم نجاسة بالموت مضافا إلى ما ادعوه من الاجماع موثقه عمار ومرفوعة محمد بن يحيى ورواية حفص المتقدمة في بحث سؤر الوزغة ويؤيده أيضا لزوم الحرج والمشقة بل الأصل أيضا عند من لم يعتقد وجود دليل عام على نجاسة الميتة وكيف كان فالحكم واضح لا خفاء فيه (والكلب والخنزير ولعابهما) ذكر الشيخ في الخلاف إن الكلب نجس العين نجس اللعاب نجس السؤر وادعى عليه إجماع الفرقة وذكر فيه أيضا إن الخنزير نجس بلا خلاف وقال العلامة في التذكرة الكلب والخنزير نجسان عينا ولعابا ذهب إليه علماؤنا أجمع وقال في المنتهى الكلب والخنزير نجسان قال علماؤنا أجمع وقال المحقق في المعتبر إذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر المحكوم بنجاسة عينه ثوبا أو جسدا وهو رطب غسل موضع الملاقاة وجوبا وإن كان يابسا رش الثوب بالماء استحبابا وهو مذهب علمائنا أجمع ويدل على نجاستهما أيضا مضافة إلى الاجماع روايات كثيرة متظافرة أما على الكلب فمنها ما رواه التهذيب في آخر باب الاحداث الموجبة للطهارة في الصحيح ظاهرا عن محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل قال يغسل المكان الذي أصابه وكرر هذه الرواية عن محمد بسند أصح مما هنا في باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات وهذه الرواية في الكافي أيضا بطريق صحيح حسن بن إبراهيم عن محمد في باب الكلب يصيب الثوب والجسد ومنها ما رواه التهذيب أيضا في هذا الباب الأخير في الصحيح عن الفضل أبي العباس قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله وإن مسه جافا فأصبب عليه الماء
(٣٢١)