كما سيجئ في بحث نجاسة الكافر إنشاء الله تعالى قلت ذكر (ره) الاستدلال بهذه الآية على نجاسة الكفار ولم يعترض عليه إلا بوجهين أحدهما إن النجس في اللغة بمعنى المستقذر وهو أعم من المعنى المصطلح عليه والثاني إنه سلمنا أن النجس بمعنى المصطلح عليه لكن لا يثبت عموم نجاسة الكفار إذ منهم من ليس بمشرك والظاهر أن الوجه الثاني لا دخل له فيما نحن فيه والوجه الأول مشترك بين الآية والرواية فلم اعتمد على الرواية دون الآية إلا أن يفرق بين عرف الكتاب وعرف الأئمة (عليهم السلام) ويقول إن عرف الأئمة (عليهم السلام) مثل عرفنا سيما من زمان الباقر والصادق (عليهما السلام) إلى آخرهم (عليهم السلام) فمخالطتهم مع الفقهاء والعلماء اللذين اشتهر هذا العرف بينهم بخلاف عرف الكتاب في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه لم يكن هذه الاصطلاحات المتداولة بين الفقهاء شايعة في ذلك الزمان وبالروايات التي وردت في باب شعر الخنزير منها ما رواه التهذيب في باب الذبايح والأطعمة والفقيه في باب الصيد والذبايح عن برد الإسكاف قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك إنا نعمل بشعر الخنزير فربما نسي الرجل فصلى وفي يده شئ منه قال لا ينبغي له أن يصلي وفي يده منه شئ وقال خذوه فاغسلوه فما كان له دسم فلا تعملوا به وما لم يكن له دسم فاعملوا به واغسلوا أيديكم منه ومنها ما رواه التهذيب في الباب المذكور عن سليمان الإسكاف قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شعر الخنزير نحرز به قال لا بأس به ولكن يغسل يده إذا أراد أن يصلي ومنها ما رواه التهذيب في كتاب المكاسب عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قلت له إن رجلا من مواليك يعمل الحمائل بشعر الخنزير قال إذا فرغ فليغسل يده ومنها ما رواه أيضا في هذا الكتاب عن برد الإسكاف قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شعر الخنزير يعمل به قال خذ منه فاغسله بالماء حتى يذهب ثلث الماء ويبقى ثلثاه ثم اجعله في فجارة جديدة ليلة باردة فإن جمد فلا تعمل به وإن لم يجمد ليس عليه دسم فاعمل به واغسل يدك إذا مسته عند كل صلاة قلت ووضوئي قال لا اغسل اليد كما تمس الكلب وهذه الروايات وإن لم تكن صحيحة السند لكن تظافرها وتكاثرها ربما يعضد المطلوب ويرد عليها أيضا إن الامر بالغسل لا نسلم ظهوره في الوجوب فلعله يكون للاستحباب فإن قلت هل يرد هذا الايراد على الدليل المتقدم على هذه الروايات قلت كأنه لا يرد إذ لا خلاف لاحد منا أن الامر بالغسل عند إصابة الكلب والخنزير رطبا للوجوب ويمكن أن يقال لا خلاف لاحد في أن إصابة الكلب والخنزير بما تحله الحياة منهما يوجب الغسل أما إن الامر المطلق الوارد بالغسل عند إصابتهما الشامل بإطلاقه لإصابة ما لا تحله الحياة منهما كالشعر بل المحمول عرفا عليه على ما هو الغالب كما ذكر في الاستدلال للوجوب فلا نسلم إنه لا خلاف فيه بل لقايل أن يقول لعله للاستحباب إذا كان الإصابة محمولة على ما هو الغالب من إصابة الشعر أو للقدر المشترك بين الوجوب والندب إذا كانت محمولة على الأعم منهما ومن غيرها لكن لا يخفى أن حمل تلك الأوامر الكثيرة كلها على الاستحباب والقدر المشترك مع عدم معارض يصلح للمعارضة كما سيظهر عند نقل حجج المرتضى سيما مع معاضدة الشهرة بين الأصحاب بل قال في المعالم إنه لم تعرف الخلاف فيه إلا من المرتضى (ره) بوجوه منها إن ما لا تحله الحياة ليس من نجس العين لأنه إنما يكون من جملته إذا كان محلا للحيوة وفيه إن الجزء يتناول ما لا تحله الحياة عرفا ولغة فاستثنائه من الجزء لا وجه له ومنها إن ما لا تحله الحياة من نجس العين مثله من الميتة فيكون منه أيضا طاهرا وفيه إنه قياس مع الفارق فإن المقتضي للتنجيس في الميتة صفة الموت وهي غير حاصلة فيما لا تحله الحياة بخلاف نجس العين فإن نجاسته ذاتية هكذا في المدارك وهو كما ترى على ما طهر وجهه في بحث طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة والأولى أن يقال في الجواب إن استثناء ما لا تحله الحياة من الميتة باعتبار الروايات التي قدمنا ولولاها لحكمنا بنجاسة من الميتة أيضا والرواية التي تصلح للتعويل مفقودة فيما نحن فيه كما سيظهر ومنها ما رواه التهذيب في باب المياه من الزيادات والكافي في باب البئر وما يقع فيها في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقي به الماء من البئر أيتوضأ من ذلك الماء قال لا بأس ومنها رواية الحسين بن زرارة أيضا بهذا المضمون وقد تقدم في بحث طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة والجواب عنهما أولا بالحمل على أنه لم يصل إلى الماء كما حمله الشيخ في التهذيب ولا يخلو عن بعد وثانيا بأنه يجوز أن لا ينجس البئر والماء القليل بملاقاة النجاسة وعن الثاني خاصة بالقدح في السند واعلم إن العلامة في المنتهى أورد هذا الخبر الأخير وتكلم عليه بأن في طريقه ابن فضال وفيه ضعف وبأنه لا يلزم من ذلك ملامسته بالرطوبة وإن كان الأغلب ذلك فيحمل على النادر جمعا بين الأدلة وقال صاحب المعالم وما ذكره من عدم صحة السند صحيح إلا أن في تعليله نظرا من حيث اشتمال الطريق على جماعة ليست بصفة رجال الصحيح وابن فضال أحدها فلا وجه لذكره وحده ثم إن الطعن في هذا السند غير مجد بعد كون المتن مرويا بالطريق الآخر الصحيح على رأيه وأما الحمل على عدم الملاقاة فمحتمل لكن فيه بعد وملاحظة الجمع بين الأدلة إن كانت باعتبار الخبر السابق الدال على وجوب غسل الثوب إذا أصابه خنزير وحصل فيه تأثير فيرد عليها إن دلالة ذلك الخبر على نجاسة الشعر ليست بأظهر من دلالة هاتين الروايتين على طهارته فيشكل جعل التأويل في هذا الجانب وإن كانت باعتبار ما رواه الشيخ وذكر الروايات التي أوردنا آنفا في باب شعر الخنزير فيرد عليها إن في طريق الروايات ضعفا ولعل انضمام عمل الأصحاب بمضمونها مضافا إلى
(٣٢٥)