وبما ذكرنا ظهر أن الحكم بالكراهة نظر إلى الروايات مشكلا إلا أن يتمسك بالشهرة بين الأصحاب هذا واعلم إن العلامة (ره) أسند الخلاف في هذه المسألة إلى الشيخ في الخلاف الظاهر أن القول بعدم الكراهة الذي ذكره المصنف إشارة إليه وذكر في المنتهى إن الشيخ استدل على هذا القول بصحيحة محمد بن مسلم المنقولة ثم أجاب عنه بما ذكر الظاهر أن إسناد هذا القول وهذا الاستدلال عليه إلى الخلاف خلاف الواقع لأنه قال فيه لا بأس بالتمندل من نداوة الوضوء وتركه أفضل وبه قال أكثر الفقهاء وقال مالك والثوري لا بأس به في الغسل دون الوضوء وحكى ذلك عن ابن عباس وروى عن ابن عمر أن ذلك مكروه في الوضوء والغسل معاوية قال ابن أبي ليلى دليلنا على جوازه إن الأصل الإباحة والحظر يحتاج إلى دليل وعليه إجماع الفرقة المحقة وروى حريز عن محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبدا لله عليه السلام عن المسح بالمنديل قبل أن يجف قال لا بأس به انتهى ولا يخفى إن هذا الكلام لا يدل على ما ذكره بل الظاهر أن مراده الكراهة والاستدلال بالرواية انما هو على الجواز كما صرح به ردا على المالك والثوري لا نفي الكراهة ثم أن الكراهة عندهم هل هو مختص بالتمندل أو يعمه والتمسح أيضا بالذيل والكم نحوهما بل يعمهما والتجفيف بالنار والشمس ونحوهما ظاهر بعض العبارات الأول وبعضها الثاني وقيل بالثالث أيضا نظر إلى الدليلين الأخيرين والمحقق الثاني (ره) خص الحكم بالمنديل والذيل وإخراج الكم لعدم صدق المنديل عليه وضعف بأن هذا التعليل يقتضي إخراج الذيل أيضا لعدم صدق المنديل عليه أيضا ثم الظاهر على تقدير الكراهة اختصاصها بالمنديل فقط إذ الرواية الأولى التي لا يخلو عن قوة مختصة به والدليلان الأخيران في غاية الضعف والشهرة بين الأصحاب أيضا تحققها في غيره غير معلوم فالأولى الاقتصار في هذا الحكم المخالف للأصل عليه (والوضوء في المسجد من البول والغايط) يدل عليه ما رواه التهذيب في زيادات في باب آداب الاحداث عن رفاعة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوضوء في المسجد فكرهه من البول والغايط ولا ينافيه ما رواه أيضا في هذا الباب عن بكير بن أعين عن أحدهما (عليه السلام) قال إذا كان الحدث في المسجد فلا بأس بالوضوء في المسجد ولا يختص بما إذا كان الحدث في المسجد كالنوم مثلا ثم أن ها هنا شيئين أحدهما إن النوم إذا كان واقعا في غير المسجد فهل يكره الوضوء لأجله في المسجد أولا الظاهر الأول نظرا إلى مفهوم الرواية الثانية ومفهوم الرواية الأولى لا يصلح لمعارضته لأنه من باب مفهوم اللقب مع أنه عبارة الراوي وعبارة الإمام (عليه السلام) غير معلومة أي شئ هي الثاني إن البول أو الغايط إذا حدث في المسجد فكيف حال الوضوء له في المسجد يحتمل وجهين الكراهة إبقاء لاطلاق الأولى بحاله وحمل الثانية على أن وقوع حدث البول والغايط لما كان نادرا في المسجد فلذا أطلق الحكم بعدم البأس في الوضوء في المسجد الحدث الواقع فيه وعدمها إبقاء لعموم الثانية أو إطلاقها بحاله وحمل الأولى على أن البول والغايط لما كان حدوثهما في المسجد نادرا فلذا أطلق الحكم بكراهة الوضوء لهما في المسجد والثاني أظهر لاعتضادها بالأصل (وتقديم المضمضة على الاستنشاق مستحب وفي المبسوط لا يجوز العكس) قال المصنف (ره) في الذكرى بعد إن قال مثل ما في المتن والمأخذ إن تغير هيئة المستحب هل يوصف بالحرمة لما فيه من تغيير الشرع أو بترك المستحب تبعا لأصلها هذا مع قطع النظر عن اعتقاد شرعية التغيير أما معه فلا شك في تحريم الاعتقاد لا عن شبهة أما الفعل فالظاهر لا وتظهر الفائدة في التأثيم ونقص الثواب وإيقاع النية انتهى اعلم إن هيئة المستحب أما أن يكون مستفادة من نفس الامر بذلك المستحب مثل أن يرو في الشرع تمضمض ثم استنشق ونحوه أو من أمر آخر مثل أن يرو أولا تمضمض واستنشق ثم ورد أمر آخر بأن قدم المضمضة على الاستنشاق وحينئذ لا يخلو أما أن يستفاد من الأمر الثاني تقييد الأول واشتراطه به أولا وعلى الأولين وغير هيئة المستحب فالظاهر عدم الامتثال لذلك المستحب أصلا لعدم الاتيان بالمأمور به وعدم استحقاق الثواب بالكلية وأما الاثم فلا إلا بدليل من خارج وعلى الأخير الظاهر الامتثال لاحد الامرين واستحقاق الثواب به دون الامر الاخر والاثم أيضا منتف إلا بدليل خارج ثم أن ما ذكرنا إنما هو فيما ثبت الترتيب بالشرع وما نحن فيه لا يعلم كونه من هذا الباب إذ الأوامر بالمضمضة والاستنشاق مطلقة ولا دليل على الترتيب سوى التمسك بالتأسي بفعل أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما رواه ابن كثير كما تقدم وفي صلاحيته للاحتجاج نظر فلو لم يسلم الدلالة على الترتيب فالامر ظاهر من أن تقديم الاستنشاق لا بأس فيه من حيث الحرمة ولا من حيث نقض الثواب ولو سلم الدلالة فهل يدل على تقييد الأوامر المطلقة أولا الظاهر الثاني فحينئذ لو غير الترتيب فينتقص الثواب من حيث عدم الاتيان بمستحب التأسي لكن يحصل له ثواب الأوامر المطلقة ولا تأثيم نعم لو سلم دلالته على التقييد أيضا فلا ثواب عند التغيير أصلا لكن لا تأثيم أيضا إلا أن يظهر دليل آخر على الحرمة وبما ذكرنا ظهر ما في كلام الذكرى من الاخلال من وجهين فتأمل (ولو شك في عدد الغسل بنى على الأقل) قال (ره) في الذكرى لو شك في عدد الغسلات السابقة بنى على الأقل لأنه المتيقن وفي الغسلات المقارنة وجهان من التعرض للثالثة وقضية الأصل وهو أقوى انتهى وتفصيل القول فيه أن يقال الشك أما في الواحد والاثنين أو الاثنين والثلاثة وعلى التقديرين أما في السابق أو المقارن فهاهنا أربعة أقسام اثنان منها في السابق واثنان في المقارن أما السابق فإن كان الشك فيه في الواحد والاثنين فلا يخلو أما أن لا يكون الغسلة الثانية واجبة على ما هو أصل الشرع سواء قلنا برجحانها أو لا أو يكون واجبة بنذر وشبهه على تقدير انعقاد نذرها على القول برجحانها وعلى الأول لا إشكال فيه وهو ظاهر وعلى الثاني فإن لم يتضيق وقت النذر فلا إشكال أيضا وإن تضيق فإن كان بعد الفراغ من الوضوء فالظاهر عدم لزوم الكفارة إذ لا يقين ولا ظن بحث النذر عمدا لكن هل يحكم بكون ذلك الوضوء امتثالا للنذر على قياس عدم الالتفات إلى الشك في إفعال الوضوء الأصلية بعد الفراغ وبعد ذلك الوضوء امتثالا للامر أم لا فيه إشكال ويظهر الفائدة في الشق السابق على هذا الشق إذ لو لم يتضيق وقت
(١٣٨)