الفراغ من الوضوء عن قدر بلة يحصل معه جريان يسير وعلى هذا فإن نزل كلام المصنف (ره) وكذا كلام غيره من الأصحاب الذي يؤدي مؤداه على ما ذكرنا فنعم الوفاق وإلا فالظاهر خلافه وقد صرح المصنف في الذكرى بما ذكرنا حيث قال من مسألة تعذر المسح بالبلل لافراط الحر وإنه يبقى حينئذ جزءا من اليسرى أو كلها ثم يغمس في الماء أو يكثر الصب ويمسح به ولا يقدح قصد إكثار الماء لأجل المسح لأنه من بلل الوضوء وكذا لو مسح بماء جار على العضو وإن أفرط الجريان لصدق الامتثال ولأن الغسل غير مقصود انتهى ولا يخفى ضعف تعليله الأخير (ولا المسح بآلة غير اليد) لظهور الروايات في المسح باليد والظاهر الاجزاء بأي جزء كان من اليد والحديثان المنقولان سابقا في بحث المسح على الحائل المتضمنان لذكر الإصبع كأنهما بناء على المعتاد قال المصنف في الذكرى والظاهر أن باطن اليد أولى نعم لو اختص البلل بالظاهر وعسر نقله أجزء ولو تعذر المسح بالكف فالأقرب جوازه بالذراع انتهى و هذا التفصيل وإن كان إثباته بالدليل مشكلا لكن الاحتياط في رعايته وقال العلامة في النهاية ولو مسح بخرقة مبلولة بماء الوضوء بأن كانت الأصابع مشدودة فالأقرب عدم الاجزاء لان ماء الوضوء هو المتصل بالأصابع لا ما على الحاوي أما لو كان المسح على الخرقة في اليد لضرورة الجرح وشبهه فمسح به فالأقرب الجواز لو كانت اليد الأخرى كذلك ولو كانت سليمة فإشكال انتهى وحاله أيضا كحال ما في الذكرى فتأمل (ويكره مسح جميع الرأس وحرمه ابن حمزة وفي الخلاف بدعة اجماعا) لاخفاء في عدم استحبابه لعدم توظيفه شرعا وأما كراهته فعلله المصنف (ره) في الذكرى بأنه تكليف ما لا يحتاج إليه وفيه ضعف وعلل ابن حمزة الحرمة بمخالفة الشرع وهو أيضا ضعيف والبدعة التي ادعى الاجماع عليها في الخلاف لم يظهر المراد منها والحاصل أن اثبات قدر زايد على عدم الاستحباب مشكل قال المصنف (ره) في الذكرى وقال ابن الجنيد لو مسح من مقدم رأسه إلى مؤخره أجزأه إذا كان غير معتقد فرضه ولو اعتقد فرضه لم يجزء إلا أن يعود إلى مسحه ويضعف باشتماله على الواجب فلا يؤثر الاعتقاد في الزايد وأبو الصلاح أبطل الوضوء لو تدين بالزيادة في الغسل أو المسح وهو كالأول في الرد نعم يأثم باعتقاده انتهى وسيجئ إنشاء الله تعالى في بحث الغسلة الثالثة ما ينفع في هذا الموضع (والزايد عن إصبع من الثلاث مستحب) قال في الذكرى لو مسح بثلاث أصابع فالأقرب إن الزائد موصوف بالاستحباب لجواز تركه ويمكن الوجوب لأنه أحد جزئيات الكلي هذا إذا أوقعه دفعة ولو أوقعه تدريجا فالزايد مستحب قطعا انتهى والظاهر فيما إذا أوقعه دفعة خلاف ما قربه المصنف لان الامتثال إنما يتحقق بهذا المجموع فيكون من إفراد الواجب وجواز تركه مع الاتيان بفرد آخر لا يقدح في كونه من أفراد الواجب المخير ويمكن بناء الكلام على أن حال المسح بثلاث أصابع دفعة هل إجزاء ذلك الفعل موجودة مع الكل بوجود واحد أو بوجودات متعددة فعلى الأول يكون ذلك الفعل مما يحصل به الامتثال فيكون واجبا لكن هذا الاحتمال خلاف الظاهر لأن الظاهر أن هذه الاجزاء من قبيل الأجزاء الخارجية فلا يكون موجوده مع الكل بوجود واحد وعلى الثاني يكون وجود الاجزاء مقدما على الكل فيحصل الامتثال بالاجزاء فلا يكون الكل واجبا لعدم حصول الامتثال به بل قبله إلا أن لا يعتد بالتقدم الذي أتى في العرف ويقال إن الامتثال يحصل بالمجموع أيضا وما ذكره من استحباب الزايد إذا أوقعه تدريجا منظور فيه بل الظاهر عدم الاستحباب للزوم التكرار في المسح ولا نسلم خروجه من تحت التكرار بالامر الوارد بالمسح بثلاث أصابع لان ظاهره المسح رفعة نعم ما ذكره من استحباب الزايد إنما يصح في غير هذا الموضع مثل التسبيحات الثلاث في الركوع والسجود هذا إذا حكمنا بأن الاتيان بالمأمور به يكفي في الامتثال وإن لم يكن بقصد أنه امتثال لذلك الامر وأما إذا اعتبر هذا القيد فحينئذ لو قرء إحدى ثلاث تسبيحات بقصد المجموع امتثال للامر بالذكر لا ما كل واحد يكون المجموع واجبا لعدم حصول الامتثال قبله (ثم بشرة الرجلين) وجوب مسح الرجلين دون غسلهما مما انعقد عليه إجماعنا وخالف فيه العامة فقال أبو الحسن البصري وابن جرير الطبرسي وأبو علي الجبائي بالتخيير بين المسح والغسل وقال الفقهاء الأربعة وباقي الجمهور بوجوب الغسل دون المسح وقال داود بوجوبهما معا ويدل على وجوب المسح مضافا إلى الاجماع الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وجه الاستدلال إن الأرجل أما مجرورة كما في بعض القراءات ومنصوبة كما في البعض الآخر وعلى الأول الظاهر عطفه على الرؤس فيكون في حكمها من و ح جوب المسح عليها وجعله معطوفا على الأيدي والقول بأن الجر من باب المجاورة ضعيف لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه وأيضا اعراب المجاورة شاذ وإنما يقتصر على السماع وأيضا فيما لا لبس فيه مثل حجر ضبت حزب وهاهنا اللبس حاصل وعلى الثاني أيضا الظاهر أنه كذلك للقرب ويكون النصب حينئذ لكونه معطوفا على محل الرؤس والعطف على المحل شايع فإن قلت أولوية العطف على اللفظ يعارض القرب قلت لنا مرجح آخر من حصول التطابق بين القرائتين حينئذ وأما السنة فكثيرة كاد أن يبلغ حد التواتر فمنها الروايات المتضمنة لوصف الوضوء كما تقدم وصحيحة زرارة المتقدمة الدالة على التبعيض في المسح ورواية محمد بن مروان المتقدمة الدالة على عدم قبول الصلاة لترك المسح ومنها أيضا ما رواه التهذيب في باب صفة الوضوء في الصحيح عن زرارة قال قال لي لو أنك توضأت فجعلت مسح الرجلين غسلا ثم أضمرت إن ذلك من المفروض لم يكن ذلك بوضوء ثم قال ابدء بالمسح على الرجلين فإن بدء لك غسل فغسلته فامسح بعده ليكون آخر ذلك المفروض وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب مسح الرأس ومنها ما رواه أيضا في الباب المذكور عن غالب بن هذيل قال سئلت أبا جعفر (عليه السلام) عن المسح على الرجلين فقال هو الذي نزل به جبريل (عليه السلام) إلى غير ذلك من الاخبار وبعض الروايات الواردة على خلافها محمول على التقية لما عرفت من مذهب الجمهور مثل ما رواه في الباب المذكور عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يتوضأ الوضوء كله إلا رجليه ثم يخوض بهما الماء خوضا قال أجزئه ذلك وما رواه أيضا في الباب المذكور في الصحيح عن أيوب بن نوح قال كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسئله عن المسح على القدمين فقال الوضوء بالمسح ولا
(١١٨)