الظاهر كما عرفت من المباحث ما ذهب إليه الشيخ من عدم البطلان خصوصا إذا كان قصد القربة مقتضيا تاما بمعنى أنه لو لم يكن الضميمة أيضا لكان محركا وباعثا على الفعل واعلم أيضا إن الظاهر أن الخلاف فيما إذا لم يكن الضميمة راجحة بحسب الشرع وأما إذا كانت راجحة كقصد الامام باظهار تكبيرة الاحرام اعلام القوم وضم الصائم إلى نية الصوم قصد الحمية ومخرج الزكاة ظاهرا اقتداء غيره به ونحو ذلك فيصح اتفاقا والله أعلم (ولا يصح الطهارة وغيرها من العبادات من الكافر) بعد ما علمت من وجوب القربة وظهر عدم إمكانها في حقه لاخفاء في صحة هذا الحكم (ولو نوى قطع الطهارة أو ارتد بطل فيما بقي فيبني مع العود والبلل ويستأنف مع الجفاف) فيه حكمان عدم بطلان ما سبق وبطلان ما بقي أما الأول فلصدوره بشرايطه صحيحا والبطلان لا بد له من دليل ولا دليل وأما الثاني فلما علمت من وجوب الاستدامة الحكمية بالمعنى المذكور فلو قطع نيته لكان ما يأتي به بعده ليس بقصد القربة وكذا لو ارتد وما ذكره من النبأ مع عدم الجفاف والاستيناف معه فيظهر إنشاء الله تعالى في مبحث الموالاة (ولا يضر غروبها إلا مع نية المنافي أو اللازم) قد علم وجهه مما سبق (ولو أمكن استحضاره فعلا في جميع الوضوء أو بعضه لم يجب) هذا أيضا ظهر مما تقدم وقد تقدم إن العلامة قال في المنتهى بالاستحباب وإثباته مشكل إلا أن يقال باندراجه تحت حضور القلب المندوب إليه في الروايات (والخالي من موجب الوضوء ينوى الندب فلو نوى الوجوب أو نوى من وجب عليه الندب بطل في الأقوى) وجه الحكم الأول ظاهر على ما اختاروه من اشتراط قصد الوجه وأما على ما اخترناه من عدم الاشتراط فلا يبطل وأما الحكم الثاني فإن كان المراد منه إن فعل الوضوء الواجب الذي للصلاة مثلا بقصد الندب بطل فله وجه على رأيهم من اشتراط الوجه لكن الظاهر أنه ليس بمراد بل المراد أن وقت اشتغال الذمة بموجب الوضوء لا يندب الوضوء أصلا مثل الوضوء الواجب فلو نوى الندب كان باطلا كما مر في بحث اشتراط الوجه وهذا الحكم وإن كان دايرا في ألسنتهم لكن لم نجد له وجها ظاهرا وما يتخيل له من الوجه أمور الأول إن الامر بالشئ نهى عن ضده فلو كان الوضوء للصلاة مثلا مأمورا به وجوبا لما كان الوضوء لشئ آخر الذي هو ضد الوضوء الأول مأمورا به ندبا وضعفه ظاهرا لان هذا الحكم على تقدير تمامه إنما هو في المأمور به المضيق لا مطلقا و أيضا لا نسلم التضاد لان الوضوء المندوب يجامع الواجب لما ذكرنا سابقا من جواز التداخل بين الواجب والمندوب وفيه إن تداخلهما اما مع نيتهما معا أو مع نية الندب فإن كان الأول فيمكن أن يقال هذا لا يضرهم لان مرادهم أن الوضوء حينئذ بقصد الندب فقط بطل وإن كان الثاني فنقول إن جعله امتثالا للامر الواجبي لا يصح لما يثبت عندهم من أن الوضوء الواجب لا بد فيه من قصد الوجوب فتدبر الثاني إن تحقق الندب حينئذ يخرج الواجب عن الوجوب إذ يجوز أن يتوضأ حينئذ ندبا وعنده يرتفع الحدث لما مر مرارا وعند ارتفاع الحدث لا يجب الوضوء فيلزم ما ذكرنا واشتراط الوجوب بعدم الاتيان به ندبا تقييد من غير دليل وفيه أنه كما أن الامر الواجبي مطلق لا بد لتقييده من دليل فكذا الأوامر الندبية فلم يخصصونها دونه وأيضا خروج الواجب عن الوجوب ممنوع إذ عند الاتيان به ندبا يمتثل الامر الواجبي أيضا وفيه مثل ما مر آنفا الثالث إن اجتماع أمر الوجوب والندب يستلزم اجتماع المتضادين إذ عند اجتماعهما يكون الوضوء الواحد متعلقا لهما الصدق الامتثال وحينئذ يلزم أن يكون واجبا وندبا وهو محال وإذا لم يجز اجتماعهما فأما أن يرتفع الوجوب أو الندب والأول بطل الاجماع فتعين الثاني وهو المراد وفيه إن الملازمة ممنوعة لجواز أن لا يجوز التداخل مطلقا كما هو رأي بعض وعلى تقدير جوازه لا يجوز ها هنا لما ذكر ثم فيكون الامتناع قرينة على أن المراد بالامرين تعدد متعلقيهما ما في الصور التي يعلم لزوم التعدد بالدليل مثل نافلة الصبح وفريضة ونحوهما ولو سلم فلا نسلم امتناع اجتماع الوجوب والندب وقد مر مرارا والحاصل إن هذا الحكم مما يشكل إثباته فالظاهر جواز الوضوء المندوب حال اشتغال الذمة بموجب الوضوء فإن جوزنا التداخل كما هو الظاهر يكون كافيا عن الواجب أيضا وإلا فلا بد من وضوء آخر للواجب (ولو نوى لكل عضو نية تامة بطل وأولى منه لو نوى رفع الحدث عنه لا غير) المراد بالنية التامة لكل عضو أن لا ينوي في الابتداء فعل الجميع بالوجه المذكور سابقا بل ينوي عند غسل الوجه أنه يغسل الوجه للقربة وساير الشروط المعتبرة وكذا عند غسل اليد إلى آخر الوضوء وذهب العلامة (ره) في جملة من كتبه إلى الصحة وهو الأظهر لنا إن القدر الثابت وجوبه بالدلائل السابقة أن يفعل الفعل لمحرك قصد القربة أما مع قصد الوجوب والاستباحة أيضا كما هو رأيهم أو لا كما هو المختار ولا ريب في تحقق هذا القدر في الفرض المذكور وأما وجوب القصد في الابتداء لجملة الفعل فلا دليل عليه والأصل براءة الذمة حتى يثبت بل قد يقال هذا أولى من القصد الابتدائي للمجموع لان ارتباط النية الخاصة بكل عضو أقوى من ارتباط النية العامة واحتجوا على البطلان بأن الوضوء عبادة واحدة فلا يفرد بعضها عن بعض وبالقطع بأن صاحب الشرع لم يفعل ذلك وكلاهما ممنوعان كما لا يخفى ولا يخفى إن هذا قريب مما حكم بصحته من فرض نية قطع الوضوء فتأمل وأما الحكم الثاني فظاهره البطلان على رأيهم من وجوب قصد الرفع لان الحدث ليس ما يتعلق بعضو عضو بل إنما يتعلق بالمجموع من حيث هو مجموع وقصد رفعه عن العضو لا يستلزم الرفع عن المجموع فلا يتحقق ما هو الواجب فيكون باطلا نعم لو قيل بقيامه بالمجموع بطريق السريان لكان للصحة وجه بناء على ما ذكر في صحة
(٩٨)