وهو جيد وإن كان يوجد مثله في الروايات كثيرا مع أنك قد علمت إن الحمل على الاستحباب لا حاجة له إلى تأييد وتقوية في أحاديثنا ثم أورد على ما نقلنا من الشيخ (ره) بقوله ولا يخفى ما في قوله يدل على ذلك ما أوردناه من أن ما يؤكل لحمه إلخ فإن هذا المضمون عام والاخبار التي يحاول تأويلها خاصة فطريق الجمع بينهما حمل العام على الخاص لا ما ذكره وقد كان الصواب التمسك في ذلك بالاخبار التي ذكرناها في الاحتجاج للطهارة فإنها خاصة كأخبار النجاسة فيقع التعارض انتهى ويمكن أن يقال إن ما أورده الشيخ وإن كان عاما لكن لا دليل على وجوب تخصيصه بالاخبار الخاصة لجواز الجمع بينهما بحمل الأخبار الخاصة على التجوز ولا نسلم رجحان التخصيص على مثل هذا التجوز الشايع في الروايات ولو فرض أدنى رجحان له أيضا فيعارضه موافقة العام للأصل ولعمل جل الأصحاب ولا شك إنه حينئذ الرجحان للعام فلذا ارتكب الشيخ التجوز في الخاص إلا أن يقال إن المطلقات الواردة في البول والعذرة الظاهرة في العموم مرجحة للخاص إذ على تقدير التجوز في الخاص يلزم زيادة تخصيص مع ارتكاب التجوز فيها وعلى تقدير تخصيص العام الذي أورده الشيخ يلزم التخصيص فيه فقط فيكون أولى القلة المحذور لكن قد عرفت المناقشة في ظهور تلك المطلقات في العموم ظهورا بينا مع أن العذرة لا شمول لها للأرواث ومع ذلك عمل الأصحاب وأصالة البراءة والطهارة مرجحان قويان لا يعارضهما ما ذكر وبعد ذلك أورد صاحب المعالم الاعتراض على استقامة الجمع الذي ذكره الشيخ من الحمل على الكراهة والتقية وقال إن تكلف الجمع فرع حصول التعارض والمصير إلى التأويل إنما يصح عند قيام المعارض وذلك مفقود هنا فإن في أخبار التنجيس ما هو صحيح السند وليس في جانب الطهارة حديث صحيح وبين وجه عدم الصحة في روايات الطهارة جميعا ثم بالغ جهدا في تقوية بعض تلك الروايات سيما رواية الأغر النخاس بما ذكره يفضي إلى التطويل وأثبت أن لا تفاوت بين روايات الطهارة والنجاسة في الصلاحية للاحتجاج على طريقة القوم وإن على طريقته لا شئ منها جميعا وبصحيح ورجح على الوجهين جانب الطهارة لأنه لا يبقى عليهما المقتضى الأصل المعتضد بعمل جمهور الأصحاب ومخالفة ما عليه أهل الخلاف معارض وأنا أقول لا يخفى أنه لو فرض التفاوت بين الروايات أيضا وإن في طرق النجاسة يوجد ما هو صحيح دون طرق الطهارة لكان الترجيح أيضا للطهارة لان الاستدلال على النجاسة أما باعتبار المطلقات التي في الأبوال والعذرة التي ظاهرها النجاسة ويوجد فيها ما هو صحيح وأما باعتبار الروايات الواردة في خصوص هذه الثلاثة التي بعضها صحيح أما الأول فقد عرفت الحال فيه مرارا وإن تلك المطلقات قاصرة عن إفادة المرام مع وجود تلك المعارضات وأما الثاني فغير تمام أيضا لما ظهر من أن بناء دلالة الروايات جميعا إلا موثقه سماعة على الامر بالغسل والامر حاله ظاهر في عدم ظهوره في الوجوب سيما مع وجود تلك المعارضات الكثيرة التي لا يخلو عن قوة وإن لم يوجد فيها صحيح ومع وجود تلك الروايات الدالة على طهارة الروث من دون معارض لعدم شمول العذرة له المستلزمة لطهارة البول أيضا لعدم القول بالفصل مع أن حمل الامر على الوجوب يوجب إطراح هذه الروايات وأمر موثقة سماعة أيضا سهل بعد ملاحظة تلك الأمور ومعارضتها بما هو أقوى منها وهذا كله مع معاضدة الأصل العقلي والنقلي وعمل جل الأصحاب ولزوم العسر والمشقة الغير المناسبين للشريعة السمحة السهلة وبالجملة الخبر الواحد وإن كان صحيحا لا جزم في وجوب العمل به مع عدم معاضدته بعمل الأصحاب ومخالفته للأصل سيما مع وجود المعارضات له وإن لم يكن صحيحة وخصوصا مع تحقق قوة ما لبعض تلك المعارضات كما فيما نحن فيه إذ الدليل على وجوب العمل بخبر الواحد الصحيح لا نسلم شموله لهذه الصورة أيضا فتدبر ولكن مع ذلك الاحتياط في الاجتناب غالبا سيما في البول الذي هو مورد النصوص هذا وأما الحكم الثالث فقد ظهر مما ذكر من دون حاجة إلى التصريح به (والمني والدم من ذي النفس) أما المني فقد ادعى العلامة في التذكرة إنه نجس عند علمائنا أجمع من كل حيوان ذي نفس سائلة آدميا كان أو غيره وظاهر المنتهى أيضا ذلك حيث قال قال علماؤنا المني نجس ويدل عليه أيضا مضافا إلى الاجماع قوله تعالى وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان قال هو التفسير المراد بذلك أثر الاحتلام هكذا استدل العلامة في المنتهى ثم قال واستدل المرتضى بهذه الآية في المسائل الناصرية بوجه آخر وهو إن الرجز والرجس بمعنى واحد لقوله تعالى والرجز فاهجر وأراد به عبادة الأوثان فعبر عنها مرة بالرجز والأخرى بالرجس فاتحد معناهما وإذا سمى الله تعالى المني رجسا ثبت نجاسته ولأنه تعالى أطلق اسم التطهير ولا يراد شرعا إلا في إزالة النجاسة أو غسل الأعضاء الأربعة انتهى كلام المنتهى وفي كلا الاستدلالين نظر أما في استدلال العلامة (ره) فلان قول المفسرين بأن الرجز أثر الاحتلام بعد ما سلم صحة التعويل عليه يحتمل أن يكون المراد به النجاسة الحديثة التي يحصل عقيب الاحتلام لا المني ولو سلم أنه المني فلا يدل على نجاسة إذ لا شك في كراهته للطبع واستقذاره له فيجوز أن يكون امتنان الله تعالى سبحانه بإذهابه باعتبار إذهاب تلك الكراهة والاستقذار لا باعتبار النجاسة ولو تمسك بإطلاق التطهير فيرجع إلى الوجه الأخير الذي نقله عن المرتضى (ره) وسنتكلم عليه وأما في الاستدلالي المرتضى (ره) ففي الأول بعد تسليم كون المراد من الرجز هو المني إن إطلاق الرجز والرجس على عباده الأوثان لا يدل على اتحاد معناهما وهو ظاهر وأيضا الرجس الذي أطلق على عبادة الأوثان لا يجوز أن يكون المراد منه النجس بل لا بد من حمله على معنى آخر وإن كان مجازيا للرجس فغاية ما يلزم من إطلاق الرجز أيضا عليه اتحاد معنى الرجز مع هذا المعنى للرجس لا بمعناه الاخر الذي هو النجس لو كان وفي الثاني إن إطلاق التطهير شرحا على الغسل مما لا شك فيه وحينئذ نقول يجوز أن يكون المراد منه في الآية غسل الجنابة
(٣٠١)