وإن كان الثاني فالتقييد بالضرورة لا وجه له لجواز الاكتفاء بأقل الغسل حال الاختيار أيضا لصدق الامتثال والروايات إلا أن يحمل على الفضيلة كما يحمل الرواية المذكورة أيضا عليها ويمكن أن يؤيد القول بالمسح حال الضرورة بما نقله الكافي مرسلا في باب صفة الوضوء قال وروي في رجل كان معه من الماء مقدار كف و حضرت الصلاة قال فقال يقسمه أثلاثا ثلث للوجه وثلث لليد اليمنى وثلث لليسرى ويمسح بالبله رأسه ورجليه وهذه الرواية إن لم يكن ضعيفة بالارسال والاضمار لكان دليلا ظاهرا على المراد هذا والاحتياط في المقام أن لا يكتفي في حال الاختيار بما دون الجريان وعند الاضطرار يجمع بينه وبين التيمم (ولا يجب الدلك فلو غمس العضو أجزء) عدم وجوب الدلك هو المشهور بين الأصحاب وقال المصنف في الذكرى يلوح من كلام ابن الجنيد وجوب إمرار اليد على الوجه لكن ذكر أيضا أنه قال في موضع الجباير ما يدل على عدم الوجوب حيث قال يوصل الماء إلى العضو بالصب أو الغمس والظاهر المشهور لصدق الامتثال بدون الدلك حجة الوجوب فأورد في حكاية وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه أمر يده على وجهه وظاهر جبهته والكلام فيه توجيها ونقضا مثل ما سبق في بحث وجوب البدأة بالأعلى واحتج بأنه المعهود في الغسل وضعفه ظاهر ثم إن في تفريع المصنف إجزاء الغسل على عدم وجوب الدلك مناقشة لأن عدم وجوب الدلك لا يستلزم جواز الغمس لجواز وجوب الصب وإن لم يجب الدلك وأيضا يفهم منه إن وجوب الدلك مستلزم لعدم جواز الغمس وهو أيضا ممنوع لجواز أن يجوز الغمس ويجب مع ذلك الدلك لكن كأنه لم يذهب إلى هذين الاحتمالين أحد فلذا فرع المصنف (ره) جواز الغمس على عدم وجوب الدلك هذا ويمكن أن يستدل على جواز الغمس بما رواه التهذيب في زيادات صفة الوضوء عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا توضأ الرجل فليصفق وجهه بالماء فإنه إن كان ناعسا فزع واستيقظ وإن كان البرد فرغ ولم يجد البرد لكن يناقش فيه بأنه يجوز أن لا يكون هذا الصفق غسل الوجه الذي هو جزء من الوضوء بل يكون فعلا آخرا سابقا على الوضوء للغرض المذكور في الرواية أو يكون المراد ضرب الماء بالوجه من باب القلب أولا وبهذين الوجهين ظهر أيضا وجه الجمع بينها وبين ما رواه في هذا الباب عن السكوني عن جعفر (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تقربوا وجوهكم بالماء إذا توضأتم ولكن شنو الماء شنا وجمع الشيخ بينهما بحمل الأولى على الإباحة والثانية عل الاستحباب وفيه بعد الظهور الأول في الاستحباب ويجمع أيضا بينهما بتخصيص الأولى بحال النعاس والبرد والثانية بغيرهما واعلم أنه يمكن الاحتجاج لوجوب الصب أيضا بما ورد في الحكاية المذكورة والجواب تم إن صاحب البشرى (ره) ذكر أنه لو غمس العضو في الماء لم يمسح بمائه لما يتضمن من بقاء إن بعد الغسل يلزم منه استيناف المسح وذكر أيضا أنه لو نوى الغسل بعد خروجه من الماء أجزء إذ على العضو ماء جار فيحصل به الغسل وقال المصنف في الذكرى ويمكن أن يقال المراد بماء الوضوء الممسوح به ما يخلف بعد الحكم بالغسل والعضو الخارج من الماء محكوم بغسله وأجزاء الغسل بعد الاخراج بعيد لعدم صدق اسم الغسل عليه ومع ذلك منعه من المسح قوى انتهى ولا يخفى إن ما ذكره إن الحكم بالغسل إنما هو بعد الخروج منظور فيه نعم يمكن أن يورد عليه بأنه لو غمس اليد في الماء ولم يستقر فيه زمانا كثيرا بل بقدر ما يصدق عليه الغسل عرفا وأخرجت فلا يصدق عليه في العرف أنه استيناف ماء نعم لو استقر زمانا كثيرا فلا يبعد صدق الاستيناف عرفا حينئذ ويمكن تنزيل كلام المصنف (ره) أيضا عليه وسيجئ في بحث الاستيناف ما له نفع في هذا المقام (ثم غسل اليدين من المرفقين مبتديا بهما إلى أطراف الأصابع ولو نكس بطل على الأصح) غسل اليدين أيضا من أحد أركان الوضوء ويدل على وجوبه الآية والاخبار والاجماع ويدل على تحديده بكونه من المرفق إلى الأصابع الاخبار والاجماع أيضا وقد وقع الاجماع منا على دخول المرفقين وخالف فيه بعض العامة مستدلا بأن إلى الغاية والغاية خارجة عن ذي الغاية وأجيب أولا بمنع كونها للغاية بل بمعنى مع كما في قوله تعالى من أنصاري إلى الله وثانيا بمنع خروج الغاية فإن بعضهم ذهب إلى وجوب الدخول وآخرون قالوا بالوقف فإنها تارة تدخل وأخرى لا تدخل فكان مجملا وقال آخرون إن كان الحد من جنس المحدود دخل كقولهم بعتك هذا الثوب من هذا الطرف وإلا فلا كآية الصيام وهنا المرافق من جنس الأيدي مع أنه ورد في روايات أصحابنا إن تنزيل الآية من المرافق كما سيجئ ثم الأصحاب بعد الاتفاق على دخول المرفق ووجوب غسله اختلفوا في سبب الوجوب أنه هل هو النص والاستنباط من باب كونه مقدمة الواجب واحتج القائلون بالأول بالآية أما لان إلى بمعنى مع كما في الآية المتقدمة أو لان الحد المجانس داخل في الابتداء والانتهاء وفيهما نظر لان كونها بمعنى مع مجاز لا بد له من قرينة ودخول الحد المجانس ممنوع لما مر من توقف بعضهم في الدخول مطلقا واحتج أيضا بما ورد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دار الماء على مرفقيه وفيه بعد قصور السند أنه لا يدل على عدم كونه من باب المقدمة وتتمة الكلام فيه سيجئ إنشاء الله تعالى فبيان ما جعلوه فائدة الخلاف ممن غسل جزء من العضد لو قطعت اليد من المرفق وأما الابتداء بالمرفق ففيه بحثان جواز الابتداء ووجوبه أما الجواز فهو أيضا مما وقع عليه الاتفاق منا بل من العامة أيضا ويدل عليه مضافا إلى الاجتماع روايات منها ما رواه الكافي في باب صفة الوضوء في الحسن عن زرارة قال قال أبو جعفر (عليه السلام) إلا أحكي لكم وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلنا بلى فدعا بعقب فيه شئ من ماء فوضعه بين يديه ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمنى ثم قال هكذا إذا كانت الكف طاهرة ثم غرف فملأها ماء فوضعها على جبهته ثم قال بسم الله وأسدله على أطراف لحيته ثم أمر يده على وجهه وظاهر جبهته مرة واحدة ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ثم وضعه على مرفقه الأيمن فأمر كفه
(١٠٨)