الصوم المذكور قايلون باشتراطه بالغسل في الجملة ولا يخفى عليك أن الحق في التوجيه ما ذكرناه لان هذا في غاية السقوط وكلام العلامة (ره) في المنتهى أيضا يشير إلى ما ذكرناه والظاهر أن هذا الاستدلال منه وهو أعرف بمقصود وقد أيد أيضا بما رواه الشيخ (ره) في زيادات التهذيب في باب الأغسال في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يواقع أهله أينام على ذلك قال إن الله يتوفى الأنفس في منامها ولا يدري ما يطرقه من البلية إذا فرغ فليغتسل وجه التأييد أنه إذا لم يكن واجبا لنفسه فلا وجه لخوف الموت في النوم قبل الغسل إذ الظاهر من الرواية أن احتمال الموت إنما يخاف منه لأجل فوات الغسل فقط لا لأجل فوات غايته والحكم عليه بالتأييد لا لاستدلال الاحتمال أن يكون الامر فيه للندب ويكون ملاقاة الله تعالى متطهرا أمرا محبوبا فيستحب الغسل قبل النوم لاحتمال الموت فيه وقوة ذلك المعنى منه احتمالا قريبا وأنت تعلم أن القايلين بالوجوب النفسي أيضا لا يقولون بالتضييق والعصيان بترك الغسل إذا مات في النوم ما لم يظن بالموت فلا بد من حمل كلامه (عليه السلام) المشعر بالتضيق والتعجيل ظاهرا على الاستحباب البتة وحينئذ ففي التأييد أيضا نظر لان القايلين بالوجوب الغيري أيضا قايلون بالاستحباب قبل دخول الوقت فتأمل وأيد أيضا بالروايات الدالة على وجوب تغسيل الميت غسل الجنابة إذا مات جنبا مثل ما رواه الشيخ (ره) في الزيادات في باب تلقين المحتضرين عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ميت مات وهو جنب كيف يغسل وما يجزيه من الماء قال يغسل غسلا واحدا يجزي ذلك للجنابة ولغسل الميت لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة وما رواه أيضا في هذا الباب عن عيص عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلت عن رجل مات وهو جنب قال يغسل غسلة واحدة بماء ثم يغسل بعد ذلك إلى غير ذلك من الروايات وجه التأييد أنه أوجب غسل الجنابة على من مات جنبا وهو أعم من أن يكون بعد وجوب غايته عليه أو قبله فلو لم يكن الغسل واجبا عليه قبل وجوب غايته حال الحياة لم يجب عليه أيضا بعد الوفاة وفي هذا التأييد أيضا نظر لان الأوامر الواردة في هذا الباب أما للوجوب أو للندب وعلى الثاني لا تأييد أصلا لان غاية ما يلزم من استحبابه بعد الموت استحبابه حال الحياة ولا نزاع فيه وعلى الأول الفرق ظاهر بين الحالين لان أحديهما حالة ملاقاة الله تعالى وملائكته فلا بعد في أن يجب عليه الغسل فيها ليكون متطهرا بخلاف الأخرى هذا غاية ما يمكن أن يستدل به من الجانبين وقد عرفت ما في أكثرها من الضعف فالمسألة موضع اشكال وإن كان النفس إلى الوجوب النفسي أميل أعاذنا الله من ميلها وهواها ووفقنا للأمور التي يحبها ويرضاها لاطلاق الروايات التي تقدمت من غير معارض قوي يصلح للمعارضة كما ذكرنا والشهرة العظيمة التي في باب الوضوء والروايات الدالة على وجوبه بالغير اللتان يرجحان طرف الوجوب الغيري مفقودة ها هنا أيضا لان معتقد القدماء غير معلوم وإن كان بعض عباراتهم يشعر أدنى إشعار بالوجوب الغيري والمتأخرون المتعرضون لهذا الخلاف ليس أكثرهم أيضا قايلين بالوجوب بالغير ظاهرا وقد عرفت عدم الاطلاع أيضا على الرواية بهذا المعنى فإذن الراجح في النظر أدنى ترجيح خلافه والله تعالى و رسوله وأهل الذكر (عليه السلام) أعلم وأما حال الأغسال الأخر فمما يمكن أن تستنبط بعضا منه من البابين وسيجئ تفصيله إنشاء الله تعالى وكذا التيمم يمكن استنباط بعض أحواله من حال مبدليه وسيأتي مشروحا في بابه إنشاء الله تعالى تتمة إذا كان الوضوء أو الغسل أو التيمم ممكنا قبل دخول الوقت ويعلم المكلف عدم إمكانه بعد الدخول فهل يتفرع وجوبه حينئذ مضيقا والعصيان بتركه وعدمهما على الخلاف السابق أو لا وعلى التقديرين ما الحال فيه ظاهرا فاعلم أني لم أقف إلى الان على كلام الأصحاب في هذا الباب سوى النزر والقليل الذي سيذكر في باب التيمم مما له أدنى ارتباط به لكن ما يقتضيه النظر أن الظاهر عدم تفريع التضيق وعدمه في هذا الحال على الخلاف المذكور لان القائلين بالوجوب النفسي لا يقولون بالتضيق بمجرد ذلك الوجوب ما لم يتضيق وقت العمر ولا مدخل لتضيق وقت التطهر لأجل الصلاة وأما القائلون بالوجوب الغيري فظاهر عدم قولهم بالوجوب حينئذ بناء على اعتقادهم من أنه لا يجب ما لم يجب مشروطه وإن الوجوب بالغير مستلزم لهذا المعنى ولو قطع النظر عن ذلك الاعتقاد لعدم ظهور مستند له وقيل بالوجوب بالغير كما يدل عليه في خصوص الوضوء الروايات المتقدمة في صدر الكتاب الدالة على وجوب الوضوء للصلاة فالظاهر أنه يستلزم وجوب الوضوء في الفرض المذكور كما يستلزم التضيق عند تضيق وقت الصلاة بلا تفاوت كما هو الظاهر ويحكم به الوجدان عند التأمل فيما إذا قال السيد لعبده إفعل الشئ الفلان بتحصيل الغرض الكذائي في وقت الظهر مثلا على أن يكون الظرف ظرفا للتحصيل لا لافعل بل يكون هو مطلوب ثم علم العبد أنه إذا لم يفعل ذلك الشئ في الصبح مثلا لم يكن فعله بعده إلى الظهر ويفوت بذلك غرض السيد فإنه يحكم حينئذ بتضيق وجوب ذلك الفعل على العبد وبإثمه بتركه في وقت الصبح كما يحكم بتضيقه عليه إذا لم يفعله إلى الظهر ويتمكن منه حينئذ وهذا الوجه كما ترى مخصوص بالوضوء لعدم الاطلاع على ما يدل على هذا المعنى في أخويه كما ذكرنا سابقا ولا يذهب عليك أن القايلين بالوجوب النفسي أيضا لا بد أن يقولوا بالوجوب في هذه الصورة بناء على هذا الدليل لان هذا الوجوب إنما يتفرع على الوجوب للصلاة فقط لا على انحصار الوجوب فيه وقد عرفت أن الظاهر أنهم قائلون به أيضا وهؤلاء أيضا بالنظر إلى هذا القول يمكن افتراقهم
(٣٢)