على هذا التفصيل فنقول لا ريب أن الروايات التي أوردت للنجاسة لو كانت مخلاة وطبعها لكان يظهر من مجموعها النجاسة وإن كان في كل منها إمكان مناقشة وكذا روايات الطهارة أيضا فلا بد من الجمع بينهما وطريق الجمع أما بحمل روايات النجاسة على الاستحباب وأنت خبير بأن حمل روايات الطهارة على التقية بالتوجيه الذي ذكرنا من التقية من الامراء والسلاطين المولعين بها المزاولون بها فيه كمال البعد إذ بعد أنهم (عليهم السلام) لا يتقون منهم في باب الحكم بحرمة الخمر ويبالغون فيها كل المبالغة حتى أنهم حكموا (عليهم السلام) أن مدمن الخمر كعابد الوثن إلى غير ذلك من التشديدات العظيمة والمذمات الجسمية كما يظهر من تتبع ما ورد في باب الخمر مع كمال ولوعهم لعنهم الله تعالى في شربها وحرصهم فيه فأي معنى للتقية منهم في الحكم بطهارتها إذ التقية لو كانت لكانت في الحكم بالحلية أولى فإن قلت الحرمة لما كانت صريحة في القرآن المجيد وكانت من ضروريات الدين فالحكم بها لا فساد فيه إذ لا مجال لاحد أن ينكر على من حكم بها ويتعرض له قلت أصل حرمتها وإن كان في صريح القرآن ومن ضروريات الدين لكن لا شك أن عظم حرمتها وكونها بالغة إلى ما بلغت من المراتب التي في أحاديثنا ليس في صريح القرآن ولا من ضروريات الدين فينبغي أن يتقوا فيه فترك التقية فيه وإيصال المبالغة إلى حد لا يتصور أبلغ منه واستعمالها في الحكم بالطهارة لا نعلم له وجها أصلا مع أنه لو حكم بالنجاسة لما كان فيه فساد الحكم بالحرمة كما لا يخفى على أن أكثر علمائهم أيضا بل جميعهم إلا شاذا نادرا كما يظهر مما نقل عن السيد المرتضى (ره) على النجاسة وإن كان في الاستبصار أن كثيرا من العامة على الطهارة فحينئذ إذا حكم أئمتنا (عليهم السلام) أيضا بالنجاسة موافقا لعلمائهم لما كان فيه خوف ومفسدة ظاهرا ولعل إنكار ذلك مكابرة وبما ذكرنا ظهر أنه لو حملت الأخبار الواردة بالنجاسة على التقية لكان أولى من العكس لأنه موافق لمذاهب أكثر علمائهم مع أن في ظاهر القرآن ما يمكن أن يتمسك به في نجاستها كما استدل به جماعة على ما نقلنا فلو كان الحكم الواقعي الطهارة وأظهروه (عليهم السلام) لكان فيه مظنة أن يشنع عليهم أكثر العامة القائلين بالنجاسة ويستدل عليهم بظاهر القرآن ويجعل ذلك وسيلة إلى الطعن فيهم وفي أقاويلهم (عليهم السلام) عند العوام إذ ليس كل أحد بحيث يصل فهمه إلى الدقايق التي ذكرنا في الايراد على التمسك بهذه الآية بل نظرهم إلى الظاهر وفي الظاهر لا يخلو الآية من الدلالة على النجاسة وكفى بهذا شاهدا أن كثيرا من علمائنا وعلمائهم استدلوا بهذه الآية على نجاستها فما ظنك بالعوام وبالجملة الحمل على التقية في الأخبار الدالة على النجاسة لو لم يكن أولى من العكس لما كان بأنقص منه فتخصيص هذا به مما لا وجه له وإذا كان احتمال التقية مشتركا والأخبار الدالة على النجاسة يحتمل الاستحباب أيضا فلا شك أنه حينئذ يقوى جانب الطهارة ولو سلم أن الحمل على التقية لا يتصور في جانب النجاسة فحينئذ أيضا القوة للطهارة لان الحمل على الاستحباب أقرب من الحمل على التقية لما عرفت في الحمل على التقية من الكلام والحمل على الاستحباب شايع ذايع في أحاديث أئمتنا (عليهم السلام) وأما الاحتمالات الأخر التي ذكرنا في طي الايراد على الاخبار الموردة من الجانبين التي بها أيضا يمكن الجمع بينهما فقد عرفت أنها متحققة في الجانبين جميعا ولا اختصاص لها بروايات الطهارة حتى تحصل بها رجحانا للنجاسة فإن قلت الشهرة مرجحة لجانب النجاسة قلت الشهرة التي يمكن أن يجعل مرجحة لعلها الشهرة بين أصحاب الأئمة (عليهم السلام) وفيما نحن فيه لم يعلم أن الحكم بالنجاسة كان مشهورا فيما بينهم إذ من صحيحة ابن مهزيار ورواية خيران يظهر وقوع اختلاف بينهم وأما أن النجاسة هي المشهورة بينهم فلا يعلم ولعل الشهرة حصلت بعدهم باعتبار استنباطهم النجاسة من ظاهر القرآن وقد عرفت حال هذا الاستنباط ومثل هذه الشهرة لا نسلم أنه يصلح للترجيح سلمنا أنه يصلح للترجيح لكن الظاهر أن الرجحان الحاصل به لا يبلغ حد رجحان حمل الاستحباب المذكور على التقية ولو فرض وصوله إليه أيضا فنقول يرجح جانب الطهارة أن فيه خبرين صحيحين صريحي الدلالة وهما خبر ابن رباب وخبر ابن أبي سارة وفي جانب النجاسة خبر واحد صحيح غير صريح وهو خبر ابن مهزيار وهو مرجح قوي سلمنا أن الشهرة يقاوم كل ذلك فترجيح أصلي الطهارة والبراءة الطهارة لا معارض له والقول بأن الخطر مقدم على الإباحة ليس بمعتمد إذ لا دليل عليه نعم أصل الطهارة والبراءة يدل عليهما العقل والنقل ودلايل حجية خبر الواحد على تقدير تمامها لا نسلم أنها يدل على وجوب العمل به مثل ما نحن فيه أيضا أي في موضع حصل له مثل المعارض الذي فيما نحن فيه وحديث كثرة الأحاديث في باب النجاسة أيضا ليس بمعول عليه لان في جانب الطهارة أيضا الأحاديث كثيرة بحيث لم ينقص عنها إلا بقليل كما سمعت وعلمت فعلى هذا لو قيل بطهارة الخمر لما كان بعيدا لكن لا ريب أن الاحتياط العظيم في الاجتناب عنها والتنزه منها وإن في مزاولتها ومباشرتها لجرئة عظيمة لا ينبغي أن يقدم عليها من له أدنى احتياط في الدين اللهم إلا في حال الاضطرار والله عالم بحقايق أحكامه وحججه الاختيار تذنيب أعلم أن العلامة (ره) في المختلف استدل على طهارة الخمر تشحيذ للأذهان واختبارا للطباع بأن المسكر لا يجب زالته عن الثوب والبدن بالاجماع لوقوع الخلاف فيه وكل نجس يجب إزالته عن الثوب والبدن بالاجماع إذ لا خلاف في وجوب إزالة النجاسة عنهما عند الصلاة وينتج أن المسكر ليس بنجس وأجاب عنه بأن الاجماع المذكور في المتقدمتين أخذ فيهما لا بمعنى واحد فإنه تارة جعل كيفية للربط يدل على وثاقته خارجا عن طرفي القضية في أحديهما وتارة جعل في الأخرى جزءا من المجهول فلا يتحد الوسط فلا إنتاج وأنت خبير بأن ما ذكره (ره) لا يحسم مادة الشبهة إذ لا حد أن يقال إن الاجماع الذي ذكر أنه في إحدى المقدمتين جهة الحمل وكيفية الربط ويدل على وثاقته لا يخفى أنه بمنزلة الضرورة والتي
(٣٣٣)