مشارق الشموس (ط.ق) - المحقق الخوانساري - ج ١ - الصفحة ٣٣٣
على هذا التفصيل فنقول لا ريب أن الروايات التي أوردت للنجاسة لو كانت مخلاة وطبعها لكان يظهر من مجموعها النجاسة وإن كان في كل منها إمكان مناقشة وكذا روايات الطهارة أيضا فلا بد من الجمع بينهما وطريق الجمع أما بحمل روايات النجاسة على الاستحباب وأنت خبير بأن حمل روايات الطهارة على التقية بالتوجيه الذي ذكرنا من التقية من الامراء والسلاطين المولعين بها المزاولون بها فيه كمال البعد إذ بعد أنهم (عليهم السلام) لا يتقون منهم في باب الحكم بحرمة الخمر ويبالغون فيها كل المبالغة حتى أنهم حكموا (عليهم السلام) أن مدمن الخمر كعابد الوثن إلى غير ذلك من التشديدات العظيمة والمذمات الجسمية كما يظهر من تتبع ما ورد في باب الخمر مع كمال ولوعهم لعنهم الله تعالى في شربها وحرصهم فيه فأي معنى للتقية منهم في الحكم بطهارتها إذ التقية لو كانت لكانت في الحكم بالحلية أولى فإن قلت الحرمة لما كانت صريحة في القرآن المجيد وكانت من ضروريات الدين فالحكم بها لا فساد فيه إذ لا مجال لاحد أن ينكر على من حكم بها ويتعرض له قلت أصل حرمتها وإن كان في صريح القرآن ومن ضروريات الدين لكن لا شك أن عظم حرمتها وكونها بالغة إلى ما بلغت من المراتب التي في أحاديثنا ليس في صريح القرآن ولا من ضروريات الدين فينبغي أن يتقوا فيه فترك التقية فيه وإيصال المبالغة إلى حد لا يتصور أبلغ منه واستعمالها في الحكم بالطهارة لا نعلم له وجها أصلا مع أنه لو حكم بالنجاسة لما كان فيه فساد الحكم بالحرمة كما لا يخفى على أن أكثر علمائهم أيضا بل جميعهم إلا شاذا نادرا كما يظهر مما نقل عن السيد المرتضى (ره) على النجاسة وإن كان في الاستبصار أن كثيرا من العامة على الطهارة فحينئذ إذا حكم أئمتنا (عليهم السلام) أيضا بالنجاسة موافقا لعلمائهم لما كان فيه خوف ومفسدة ظاهرا ولعل إنكار ذلك مكابرة وبما ذكرنا ظهر أنه لو حملت الأخبار الواردة بالنجاسة على التقية لكان أولى من العكس لأنه موافق لمذاهب أكثر علمائهم مع أن في ظاهر القرآن ما يمكن أن يتمسك به في نجاستها كما استدل به جماعة على ما نقلنا فلو كان الحكم الواقعي الطهارة وأظهروه (عليهم السلام) لكان فيه مظنة أن يشنع عليهم أكثر العامة القائلين بالنجاسة ويستدل عليهم بظاهر القرآن ويجعل ذلك وسيلة إلى الطعن فيهم وفي أقاويلهم (عليهم السلام) عند العوام إذ ليس كل أحد بحيث يصل فهمه إلى الدقايق التي ذكرنا في الايراد على التمسك بهذه الآية بل نظرهم إلى الظاهر وفي الظاهر لا يخلو الآية من الدلالة على النجاسة وكفى بهذا شاهدا أن كثيرا من علمائنا وعلمائهم استدلوا بهذه الآية على نجاستها فما ظنك بالعوام وبالجملة الحمل على التقية في الأخبار الدالة على النجاسة لو لم يكن أولى من العكس لما كان بأنقص منه فتخصيص هذا به مما لا وجه له وإذا كان احتمال التقية مشتركا والأخبار الدالة على النجاسة يحتمل الاستحباب أيضا فلا شك أنه حينئذ يقوى جانب الطهارة ولو سلم أن الحمل على التقية لا يتصور في جانب النجاسة فحينئذ أيضا القوة للطهارة لان الحمل على الاستحباب أقرب من الحمل على التقية لما عرفت في الحمل على التقية من الكلام والحمل على الاستحباب شايع ذايع في أحاديث أئمتنا (عليهم السلام) وأما الاحتمالات الأخر التي ذكرنا في طي الايراد على الاخبار الموردة من الجانبين التي بها أيضا يمكن الجمع بينهما فقد عرفت أنها متحققة في الجانبين جميعا ولا اختصاص لها بروايات الطهارة حتى تحصل بها رجحانا للنجاسة فإن قلت الشهرة مرجحة لجانب النجاسة قلت الشهرة التي يمكن أن يجعل مرجحة لعلها الشهرة بين أصحاب الأئمة (عليهم السلام) وفيما نحن فيه لم يعلم أن الحكم بالنجاسة كان مشهورا فيما بينهم إذ من صحيحة ابن مهزيار ورواية خيران يظهر وقوع اختلاف بينهم وأما أن النجاسة هي المشهورة بينهم فلا يعلم ولعل الشهرة حصلت بعدهم باعتبار استنباطهم النجاسة من ظاهر القرآن وقد عرفت حال هذا الاستنباط ومثل هذه الشهرة لا نسلم أنه يصلح للترجيح سلمنا أنه يصلح للترجيح لكن الظاهر أن الرجحان الحاصل به لا يبلغ حد رجحان حمل الاستحباب المذكور على التقية ولو فرض وصوله إليه أيضا فنقول يرجح جانب الطهارة أن فيه خبرين صحيحين صريحي الدلالة وهما خبر ابن رباب وخبر ابن أبي سارة وفي جانب النجاسة خبر واحد صحيح غير صريح وهو خبر ابن مهزيار وهو مرجح قوي سلمنا أن الشهرة يقاوم كل ذلك فترجيح أصلي الطهارة والبراءة الطهارة لا معارض له والقول بأن الخطر مقدم على الإباحة ليس بمعتمد إذ لا دليل عليه نعم أصل الطهارة والبراءة يدل عليهما العقل والنقل ودلايل حجية خبر الواحد على تقدير تمامها لا نسلم أنها يدل على وجوب العمل به مثل ما نحن فيه أيضا أي في موضع حصل له مثل المعارض الذي فيما نحن فيه وحديث كثرة الأحاديث في باب النجاسة أيضا ليس بمعول عليه لان في جانب الطهارة أيضا الأحاديث كثيرة بحيث لم ينقص عنها إلا بقليل كما سمعت وعلمت فعلى هذا لو قيل بطهارة الخمر لما كان بعيدا لكن لا ريب أن الاحتياط العظيم في الاجتناب عنها والتنزه منها وإن في مزاولتها ومباشرتها لجرئة عظيمة لا ينبغي أن يقدم عليها من له أدنى احتياط في الدين اللهم إلا في حال الاضطرار والله عالم بحقايق أحكامه وحججه الاختيار تذنيب أعلم أن العلامة (ره) في المختلف استدل على طهارة الخمر تشحيذ للأذهان واختبارا للطباع بأن المسكر لا يجب زالته عن الثوب والبدن بالاجماع لوقوع الخلاف فيه وكل نجس يجب إزالته عن الثوب والبدن بالاجماع إذ لا خلاف في وجوب إزالة النجاسة عنهما عند الصلاة وينتج أن المسكر ليس بنجس وأجاب عنه بأن الاجماع المذكور في المتقدمتين أخذ فيهما لا بمعنى واحد فإنه تارة جعل كيفية للربط يدل على وثاقته خارجا عن طرفي القضية في أحديهما وتارة جعل في الأخرى جزءا من المجهول فلا يتحد الوسط فلا إنتاج وأنت خبير بأن ما ذكره (ره) لا يحسم مادة الشبهة إذ لا حد أن يقال إن الاجماع الذي ذكر أنه في إحدى المقدمتين جهة الحمل وكيفية الربط ويدل على وثاقته لا يخفى أنه بمنزلة الضرورة والتي
(٣٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ترجمة المصنف (قدس) 2
2 ترجمة الشارح (قدس) 3
3 كتاب الطهارة معنى الطهارة لغة 5
4 اشتراط النية في الطهارة 5
5 في وجوب الوضوء 5
6 بيان وجوب الوضوء لمس خط القرآن 11
7 وجوب غسل الجنابة للصلاة 15
8 في وجوب التيمم للصلاة 16
9 في بيان وجوب الطهارات لنفسها أو لغيرها 26
10 حكم امكان التوضؤ والغسل والتيمم قبل الوقت وعدم امكانه بعد الوقت 32
11 استحباب الوضوء للصلوات المندوبة 33
12 تنبيه في التسامح في أدلة السنن 34
13 استحباب غسل الجمعة 39
14 وقت غسل الجمعة 41
15 الأغسال المستحبة في شهر رمضان 43
16 استحباب غسل العيدين 44
17 في الأغسال المستحبة 44
18 في رافعية الغسل المندوب للحدث 47
19 في استحباب التيمم بدل الوضوء المستحب 50
20 موجبات الوضوء 51
21 موجبات الغسل 61
22 في وجوب الوضوء مع الأغسال الواجبة الا الجنابة 69
23 وجوب ستر العورة عن الناظر 70
24 حرمة استقبال القبلة واستدبارها 70
25 في المسح بالحجر 75
26 مستحبات التخلي 78
27 فيما يستحب حال التخلي 78
28 ما يستحب عند الاستنجاء 79
29 في كيفية الخرطات التسع 80
30 المكروهات في حال التخلي 81
31 في عدم اشتراط الاستنجاء في صحة الوضوء 86
32 في وجوب النية المشتملة على القربة عند الوضوء 88
33 في حكم المبطون والسلس والمستحاضة 91
34 في اشتراط قصد الإطاعة وعدمه 91
35 فيما لو نوى رفع حدث واستباحة صلاة بعينها 94
36 عدم صحة الطهارة وغيرها من العبادات من الكافر 98
37 في بطلان لو نوى لكل عضو نية تامة 98
38 حكم البالغ في الوقت 100
39 في حد غسل الوجه 100
40 غسل الاذنين ومسحهما بدعة 107
41 في حد غسل اليدين 108
42 عند افتقار الطهارة إلى معين بأجرة 112
43 في حد مسح الرأس 112
44 في كراهة مسح جميع الرأس 118
45 وجوب مسح الرجلين 118
46 في عدم جواز المسح على حائل من خف وغيره الا لتقية أو ضرورة 125
47 في اشتراط الموالاة 127
48 سنن الوضوء 131
49 فيما لو شك في عدد الغسلات السابقة بنى على الأقل 138
50 فيما لو شك في الحدث والطهارة بنى على المتيقن 141
51 في تعدد الوضوء ولا يعلم محل المتروك 145
52 في زوال العذر في الوضوء 153
53 حصول الجنابة بانزال المني 156
54 حصول الجنابة بمواراة الحشفة أو قدرها من المقطوع 160
55 حكم من لو وجد المني على ثوبه 162
56 فيما يحرم في حال الجنابة 164
57 في كيفية الغسل 168
58 في مستحبات الغسل 176
59 هل يكفى المسح كالدهن أم تجب الإفاضة 177
60 حكم ما لو أحدث في أثناء الغسل 179
61 درس: في الماء المطلق في اختلاط الماء الطاهر بالنجس وهي أربعة أقسام باعتبار اختلاف احكامها 185
62 أولا: الراكد دون الكر 185
63 ثانيا: في الماء الراكد الكثير 196
64 وثالثا: في الماء الجاري نابعا 205
65 في حكم ماء الغيث النازل كالنابع 211
66 رابعا: ماء البئر 215
67 في كيفية طهارة ماء البئر إذا وقع فيه شئ 220
68 فيما لو تغير ماء البئر 238
69 فيما لو اتصل ماء البئر بماء جارى طهرت 241
70 فيما إذا غارت البئر ثم عادت 244
71 في استحباب تباعد البئر عن البالوعة 246
72 في طهورية الماء المستعمل في الوضوء 247
73 طهارة الماء المستعمل في الاستنجاء 252
74 في حكم الماء المستعمل في إزالة النجاسات 254
75 الماء المضاف لا يرفع حدثا ولا يزيل خبثا 259
76 في طهارة الخمر بالخلية والمرق المتنجس بقليل الدم بالغليان 262
77 فيما لو اشتبه المطلق بالمضاف وفقد غيرهما تطهر بكل منهما 264
78 كراهة سؤر الجلال وآكل الجيف مع الخلو عن النجاسة 268
79 في سؤر غير مأكول اللحم 270
80 حرمة استعمال الماء النجس والمشتبه به في الطهارة 281
81 فيما إذا صلى بالمشتبه أعاد الصلاة في الوقت وخارجه 288
82 لا يشترط في التيمم عند اشتباه الانية اهراقها 292
83 حكم النجاسات وهي عشر البول والغائط 293
84 المني والدم من ذي النفس السائلة 301
85 الميتة من ذي النفس السائلة 309
86 الكلب والخنزير ولعابهما 321
87 المسكرات 326
88 تذنيب في استدلال العلامة على طهارة الخمر وجوابه 333
89 في حكم الفقاع 336