ومع قطع النظر عنه قد عرفت شيوع النهي في الكراهة مع تأييد رواية أبي هلال ولها ومعاضدة الأصل والشهرة وأما الكراهة مطلقا فلا بأس بها للنواهي المطلقة ورواية أبي هلال الظاهرة في الكراهة والخبران الدالان على نفي البأس إذا كانت مأمونة يمكن حملهما على نفي شدة الكراهة لكن فيه بعد وأما الكراهة مقيدة فقوته جدا لوجود الروايتين المقيدتين وحمل المطلقات عليهما مع تأييدها بالتعليل العقلي المذكور لكن يخاف على هذا القول من عدم قايل به وبالجملة الاحتياط في الاجتناب عن التوضي بسؤرها مطلقا سواء كانت مأمونة أو لا وعن التوضي وغيره من الشرب ونحوه إذا لم يكن مأمونة والله أعلم ثم إن المصنف (ره) في البيان الحق بالحايض المتهمة كل متهم واستحسنه الشهيد الثاني (ره) وفيه تأمل لعدم دليل عليه والتعليل العقلي المذكور لا يصلح للاستناد والاعتماد ولعل الاجتناب المذكور لا يكون مناسبا للشريعة الحنفية السمحة السهلة وقد روى الصدوق في الفقيه في باب المياه عن علي (عليه السلام) قال وسئل علي (عليه السلام) أيتوضأ من فضل وضوء جماعة المسلمين أحب إليك أو يتوضأ من ركو أبيض مخمر فقال لا بل من فضل وضوء جماعة المسلمين فإن أحب دينكم إلى الله الحنيفية السمحة السهلة (والدجاج) قد أطلق العلامة وغيره كراهة سؤر الدجاج وعلل بعدم انفكاك منقارها عن النجاسة غالبا والمعتبر حكى عن الشيخ في المبسوط أنه قال يكره سؤر الدجاج على كل حال ثم قال المحقق وهو حسن إن قصد المهملة لأنها لا تنفك من الاغتذاء بالنجاسة قال المحقق الشيخ حسن وما شرطه في الحسن هو الحسن لا يخفى إن الحكم بالكراهة بمجرد هذا الوجه مشكل إلا أن يقال إن الامر بالاحتياط في الدين الذي ورد في بعض الروايات يشمل مثل هذه الصورة أيضا لكن لا يخفى أن بعد ورود الروايات العامة والخاصة الدالة بعمومها أو خصوصها على جواز التوضؤ والشرب من سؤره أو نفي البأس عنه مطلقا لا وجه للحكم بالكراهة وحمل الرويات على نفي الحرمة فقط من دون معارض من الروايات بل بمجرد ذلك الوجه العقلي بل الأولى إبقاء الروايات بحالها أما الروايات العامة فمنها ما رواه الكافي في باب الوضوء من سؤر الدواب والسباع في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس أن يتوضى مما شرب منه ما يؤكل لحمه ومنها ما رواه أيضا في الباب المذكور في الموثق عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عما يشرب منه الحمامة فقال كل ما أكل لحمه تتوضأ من سؤره وتشرب وعن ماء يشرب منه باز أو صقر أو عقاب فقال كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب وهذه الرواية في التهذيب أيضا في أواخر باب المياه وفي الاستبصار في باب سؤر ما يؤكل لحمه ولا يؤكل لحمه من طريق الكافي لكن زاد في الاستبصار وسئل عن ماء شربت منه الدجاجة قال إن كان في منقارها قذر لم تشرب ولم تتوضأ منه وإن لم تعلم إن في منقارها قذرا أتوضأ منه وأشرب ويمكن أخذ تعميم هذه الرواية النسبة إلى الدجاجة من وجهين أحدهما من جهة كل ما أكل لحمه والاخر من جهة الطير إن لم يمنع حمل الطير عليه عرفا وقد روى التهذيب الجزء الأول من هذه الرواية منفردا أيضا في الباب المذكور بعين هذا السند ومنها ما رواه التهذيب في أواخر باب تطهير الثياب في الموثق عن عمار أيضا لكن لا من طريق الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في أثناء حديث وعن ماء شربت منه الدجاجة قال إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه ولم يشرب وإن لم تعلم إن في منقارها قذرا توضأ منه واشرب وقال كل ما يؤكل لحمه فتتوضأ منه واشربه وعن ماء يشرب منه بازا وصقر أو عقاب قال كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب والتعميم في هذه الرواية أيضا كما تقدم والظاهر أن الزيادة المذكورة أخذها الاستبصار من هذه الطريق وأسندها إلى طريق الكافي والله يعلم وأما في الروايات الخاصة فمنها ما نقلنا من الاستبصار والتهذيب من الزيادة المذكورة ومنها ما رواه الكافي في الباب المذكور أيضا عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال فضل الحمامة والدجاجة لا بأس به والطير وهذا الخبر في التهذيب أيضا في أواخر باب المياه من طريق الكافي ومنها ما رواه الفقيه في باب المياه مرسلا قال وسئل الصادق (عليه السلام) عن ماء شربت منه الدجاجة فقال إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه ولم يشرب وإن لم يعلم في منقارها قذر توضأ منه واشرب والله يعلم (وسؤر غير مأكول اللحم على الأقرب) قد مر إن الشيخ (ره) في المبسوط حكم بنجاسة سؤر غير مأكول اللحم من الحيوان إلا نسي إلا ما قلنا من أنه استثناه وكذا نقلنا عن ابن إدريس وفي التهذيب و الاستبصار حكم بعدم جواز استعمال سؤر غير مأكول اللحم مطلقا سوى ما ذكرنا مما استثناه فيهما والفاضلان والشهيد الثاني وجمهور المتأخرين ذهبوا إلى ما ذهب إليه المصنف في الكتاب وهو الظاهر بالنظر إلى الأدلة المتعارفة أما أولا فلأصالة الطهارة لأن النجاسة يرجع حقيقة إلى وجوب الاجتناب عن موصوفها في الأكل والشرب ونحوهما من الاستعمالات وكذا وجوب الاجتناب عنه في الصلاة ونحوها من العبادات المشروطة بالطهارة ووجوب إزالتها عن المصاحف والمساجد ونحوهما وبالجملة مرجعها إلى اقتضاء وتكليف حتمي والأصل براءة الذمة من التكاليف حتى يثبت وكذا الكلام في أصالة الحل ويؤيد الأصل العقلي أيضا ما ورد في الروايات إن كل شئ نظيف حتى يستيقن أنه قذر وكل ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر وكذا كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهى والحاصل إن العقل والنقل متطابقان في هذا الأصل ولا مخرج فيما نحن فيه عنه لضعف حجة المخالف كما سيظهر فيتعين العمل به وأما ثانيا فللآيات الكريمات أحديهما قوله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير الآية مع انضمام قوله تعالى وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم الآية وجه الاستدلال إن قوله تعالى وقد فصل لكم إشارة إلى الآية المذكورة كما ذكروه وحينئذ فالظاهر أن المحرمات كلها مفصلة فيها وإلا فلا وجه لانكار عدم أكل ما ذكر اسم الله عليه معللا بأن المحرمات
(٢٧٠)