وأما استحبابه للطواف المندوب واشتراطه به وعدمه فسيجئ إنشاء الله تعالى في كتاب الحج وحمل المصحف لم نقف في الرواية على ما يدل عليه والعلامة (ره) في المنتهى والنهاية والمصنف (ره) في الذكرى عللاه بالتعظم ولا يخفى إن إثبات الحكم به مشكل لكن لا بأس بالقول به للشهرة بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) بناء على التسامح في أدلة السنن وهاهنا بحث لا بد من التنبيه له لنفعه في امتثال هذه المواضع وهو أنه قد اشتهر بين العلماء إن الاستحباب إنما يكتفي فيه بالأدلة الضعيفة وأورد عليه أن الاستحباب أيضا حكم شرعي كالوجوب فلا وجه للفرق بينهما والاكتفاء فيه بالضعاف وأجيب عنه بأن الحكم بالاستحباب فيما ضعف مستنده ليس في الحقيقة بذلك المستند الضعيف بل بما رواه ثقة الاسلام (ره) في أصول الكافي في باب من بلغه ثواب من الله على عمل بطريق حسن بإبراهيم بن هاشم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من سمع شيئا من الثواب على شئ فصنعه كان له وإن لم يكن على ما بلغه ويؤيده ما رواه أيضا في هذا الباب عن محمد بن مروان قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن كما بلغه ولا ريب أن السند الأول سند معتبر معول عليه سيما مع انضمامه بما يؤيده ويعضده فيكون صالحا للاحتجاج وقد ذكر بعض العلماء ورود هذا المضمون بطريق صحيح أيضا ولم أره في الكتب الأربعة المشهورة لكن رأيته في كتاب المحاسن للبرقي ولعله أراد ذلك ويخدش الجواب بعد تسليم صحة الاحتجاج بأمثال هذه الأسانيد بأن مفاد الروايتين أنه وإذا روى إن في العمل الفلاني ثوابا كذا مثلا فعمل أحد ذلك العمل رجاء لذلك الثواب فإنما يؤتاه وإن كان ما روى خلاف الواقع لا أنه إذا روى أصل العمل أيضا كان الآتي به مثابا والفرق بينهما ظاهرا لا أن يقال الاخبار بأن الفعل الفلاني قد أمر به يستلزم الاخبار بأن فيه ثوابا إذ الامر يستلزم الثواب فإذا فعل ذلك الامر رجاء للثواب لزم أن يؤتاه به بناء على الروايتين فإن قلت الثواب كما يكون للمستحب كذلك يكون للواجب أيضا فلم خصص الحكم بالمستحب قلت الامر كما ذكرت من شمول سماع الثواب على شئ للواجب والمستحب لكن الروايتين لا يدلان على الوجوب بعد السماع إذ غاية ما يدلان عليه أنه إذا فعل أحد بعد السماع يكون مثابا وذلك إنما يستلزم رجحان فعله لا فساد تركه فيكون الفعل مستحبا فعلى هذا إذا روى الامر الوجوبي بشئ بطريق ضعيف لكان فعله مستحبا لما ذكرنا وما ترى يفعل الأصحاب من حمل الروايات الضعيفة الدالة على الوجوب صريحا إن ظاهرا أو احتمالا مساويا للندب على الاستحباب إنما هو بمعنى أن الحكم بالنسبة إلينا الاستحباب لما عرفت لا أنهم يحملون الامر في الرواية على الاستحباب فاعلم هذا ينفعك في بعض المواضع ويخدش أيضا بأن بين الروايتين وبين ما يدل على عدم العمل بقول الفاسق من قوله تعالى إن جائكم فاسق بنبأ الآية عموما من وجه ولا تصريح فيهما بأنه إذا عمل بقول الفاسق أيضا لكان يحصل الثواب لأن عدم كون الحديث كما بلغ لا يستلزم أن يكون راويه فاسقا كما لا يخفى ولا ترجيح لحمل الثاني على الأول فلم لم يعكس ويخص سماع الثواب من العدل ويمكن أن يقال الآية دالة على عدم العمل بقول الفاسق بدون التثبت والعمل به فيما نحن فيه بعد ورود الروايتين ليس عملا بلا تثبت ولا يتوهم تخصيص الروايتين لها حينئذ إذ بهما يخرج بعض الافراد عن عنوان الحكم لا عن الإرادة وليس هذا تخصيصا وقد مر توضيحه في فواتح الكتاب ويخدش أيضا بأن المسألة أي ثبوت الاستحباب بالأدلة الضعيفة إنما هو من مسائل الأصول على المشهور وجواز الاكتفاء فيه بالظن الحاصل من خبر الواحد محل إشكال ولتحقيق الكلام في هذا المقام موضع آخر وبالجملة الجواب لا يخلو عن شائبة لكن اشتهار العمل بهذه الطريقة بين الأصحاب من غير نكير ظاهر بل بين العامة أيضا مما يجرء النفس ويشجعها عليه لعل الله يقبل عذرها ولا يؤاخذها به ولا يخفى أن حكم مس المصحف المندوب حكم الحمل في شهرة استحباب الوضوء له بين الأصحاب فلا بأس بالقول به وكان المصنف إنما اقتصر على الحمل ليحمل المس عليه بطريق الأولى (وأفعال الحج الباقية) سيأتي إنشاء الله تعالى في بابه (وصلاة الجنازة) هذا الحكم أيضا مشهور بين الأصحاب والذي يدل على عدم وجوبه من الروايات ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في الباب التالي لباب الصلاة على الأموات في الموثق عن يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجنازة أصلي عليها على غير وضوء فقال نعم إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تكبر وتسبح في بيتك على غير وضوء وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب من يصلي على الجنازة وهو على غير وضوء وفي الفقيه في باب الصلاة على الميت وما روي في الكافي أيضا في الباب المذكور عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل يفجأه الجنازة وهو على غير طهر قال فليكبر معهم لكن يمكن حمل هذه الرواية على الاضطراري كما يشعر به لفظ يفجأه وما يدل على استحبابه ما رواه الشيخ (ره) في الباب المذكور عن عبد الحميد بن سعيد قال قلت لأبي الحسن (عليه السلام) الجنازة يخرج بها ولست على وضوء فإن ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة يجزي أن أصلي عليها وأنا على غير وضوء قال تكون على طهر أحب إلي وهذه الرواية في الكافي أيضا في الباب المتقدم بأدنى تغيير لكن يمكن أن يقال أن الظاهر من الطهر في كلام الإمام (عليه السلام) التيمم لان السائل إنما سأله (عليه السلام) عن الحال التي لا يمكن فيه الوضوء فحكمه (عليه السلام) فهذه الحال باستحباب الطهر لا بد من حمله على التيمم كما هو الظاهر وبالجملة الامر واضح بعد حصول
(٣٤)