علمت من أن النية انما تحصل الامر الممكن (والفضيلة ليست بممكن لأنها موقوفة على الرفع) والرفع ها هنا ليس بممكن لأنه موقوف على الوضوء بقصد الرفع ولم يتحقق ويمكن أن يقال لا يتوقف حصول الرفع على الرفع بقصد الرفع بل أما بقصده أو بقصد ما يستلزمه وها هنا قصد ما يستلزمه وهو الفضيلة وقد يقال إن حصول ما يتوقف عليه المنوي أما يسلم فيما يمكن حصول المنوي وأما فيما لا يمكن كما فيما نحن فيه فلا والسند ظاهر ووجه عدم الامكان ها هنا إن هذا الوضوء لا يصلح لان يكون محصلا للرفع والفضيلة معا وإلا لكان ابتدائيا و مجددا معا وهو محال بل عند كونه رافعا يفوت التجديد اللهم إلا أن يقال بعدم لزوم إمكان الموقوف وأنه بمنزلة قصد شيئين فإذا لم يمكن أحدهما تحقق الاخر فتدبر وبما قررنا ظهر أن الأظهر على تقدير اشتراط الوجه والاستباحة عدم رفع المجدد كما لا يخفى هذا كله إذا حمل مراده (ره) من قصد الصلاة وتحصيل الفضيلة على ما هو الظاهر من الاتيان بالصلاة وعلى الوجه الكامل وأما إذا حمل على قصد الاستباحة التقديرية وتدارك ما على فاته في الوضوء الأول فلا يرد ما ذكر لكن يبنى الكلام حينئذ على اشتراط الجزم في النية وعدمه فعلى الأول لا يصح ما ذكر وعلى الثاني يصح واعلم إن المصنف (ره) في الذكرى قال إن الوضوء المجدد لا بد فيه من ذلك القصد وبدونه لا يشرع وفيه تأمل لا يخفى وجهه (وفي الغسلة الثانية منه أشد بعدا) وجهه ظاهر (وأبعد من الجميع لو انغسلت في الثالثة) المراد الغسلة الثالثة التي يكون بدعة سواء كانت في الوضوء الأول أو الثاني ويتفاوت البعد فيهما أيضا كما لا يخفى ووجه الأبعدية أنها بدعة ليست بشرعية فكيف يحسب في الشرعي وهو ظاهر ولا يذهب عليك إن الظاهر على ما اخترناه أيضا عدم الصحة في هذه الصورة لما قررناه من أنه لا بد من أن لا ينوي إلى آخر الوضوء نية مخالفة للقربة وها هنا قد انتفى ذلك الشرط نعم لو لم يعتقد بدعية الثالثة ففعلها معتقدا شرعيتها أو اعتقد لكنه غفل فأتى بها بقصد الشرعية لكان الوجه حينئذ الصحة (وطهارة الصبي تمرينية فينوي الوجوب) ليقع التمرين موقعه والمراد بالوجوب أما الوجوب في حقه بمعنى اللابدية أو الوجوب في حق المكلف أو يقال بعدم كونه قصدا حقيقيا بل تخيليا شبيها بالقصد ليعتاد ويمرن عليه وقد يقال أنه ينوي الندب لتحققه في حقه دون الوجوب لعدم تحققه أما الثاني فظاهر وأما الأول فلان الندب لا معنى له سوى أن يكون مطلوبا من الشارع ويثاب على فعله ولا يعاقب على تركه وهذا المعنى متحقق في فعله أما المطلوبية فلامر الشارع الولي بأمره والامر بالامر أمر وأما الثواب فلقبح أن يأمر أحد أحدا بمشقة بدون عوض وأما الثالث فظاهر والظاهر أنه إذا كان له تميز ويفعل ما يفعله بقصد القربة فلا يبعد حينئذ القول بأنه مثاب وأما إذا لم يكن كذلك فلا نعم القول بلزوم العوض كأنه لا بأس به (فلو بلغ في الوقت استأنف إن بقي قدر الطهارة وركعة وإلا فلا) وجوب الاستيناف بناء على عدم كونها طهارة شرعية وكذا ساير أفعاله لعدم التكليف في حقه وبه قال العلامة (ره) أيضا وكلام الشيخ (ره) في المبسوط يدل على شرعية أفعاله لما حكم بأن الصبي والصبية إذا بلغا في أثناء الصلاة بما لا ينقض الطهارة أتما وفي الخلاف أوجب إعادة الصلاة مع بقاء الوقت محتجا بأن الندب لا يجزي عن الواجب ولم يذكر الطهارة وهذا أيضا يشعر باعتقاده شرعيتها من حيث حكمه بالندبية ومن حيث عدم ذكر الطهارة إذ لو كان اعتقد عدم الشرعية لكان الظاهر الحكم بإعادة الطهارة أيضا فإذن الظاهر اعتقاده الشرعية لكن حكم بإعادة الصلاة للوجه المذكور ولما لم يجز هذا الوجه في الطهارة إذ بالطهارة المندوبة يستباح الصلاة الواجبة لم يحكم بإعادتها والمحقق (ره) في المعتبر وافق المبسوط في الصبية ووجه كونها شرعية بأمر الولي بأمره كما مر واستدل على شرعية طهارته خاصة بوجه آخر وهو أنها يستباح بها الصلاة التي هي حرام على المحدث وضعفه ظاهر والمسألة محل تردد والحكم بوجوب استيناف الطهارة لا يخلو من إشكال وما ذكره من الاشتراط سيجئ القول فيه في كتاب الصلاة انشاء الله تعالى (وغسل الوجه وهو ركن وكذا غسل باقي الأعضاء) المراد بالركن الجزء ويلزم الركنية بطلان الوضوء بترك واحد منها لعدم الاتيان بالمأمور به معه والذي يدل عليها الآية والاخبار والاجماع (وهو من قصاص الشعر إلى المحادر طولا وما دار عليه الابهام والوسطى عرضا) القصاص مثليه القاف منتهى منابت شعر الرأس من مقدمه ومؤخره والمراد هنا المقدم والمحادر جمع محدر أي محل الانحدار والمراد طرف الذقن وهو بالتحريم مجمع اللحيين اللذين فيهما منابت الأسنان السفلى وتحديد الوجه الواجب غسله في الوضوء بهذا الحد طولا وعرضا هو المشهور بين الأصحاب بل كاد أن يكون إجماعا وفي المعتبر والمنتهى أنه مذهب أهل البيت (عليه السلام) واستدل عليه بما رواه الفقيه في باب حد الوضوء في الصحيح قال قال زرارة بن أعين لأبي جعفر الباقر (عليه السلام) أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي أن يتوضأ الذي قال الله عن رجل فقال الوجه الذي قال الله عز وجل بغسله الذي لا ينبغي لاحد أن يزيد عليه وينقص منه إن زاد عليه لم يوجر وإن نقص منه أثم ما دارت عليه الابهام والوسطى من قصاص شعر الرأس إلى الذقن وما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه وما سوى ذلك فليس من الوجه فقال الصدغ من الوجه قال لا وهذه الرواية في التهذيب والكافي أيضا في باب صفة الوضوء وباب حد الوجه مضمرة مع أدنى تغيير ومعنى الرواية على ما فهمه القوم إن قوله (عليه السلام) ما دارت عليه الابهام والوسطى بيان لعرض الوجه وقوله من قصاص شعر الرأس إلى الذقن بيان لمطوله وقوله (عليه السلام) ما جرت عليه الإصبعان انتهى كأنه تأكيد لبيان العرض و حملها المحقق البهائي (ره) على معنى آخر وهو أن كلا من طول الوجه وعرضه ما اشتمل عليه الابهام والوسطى بمعنى إن الخط الواصل من القصاص إلى طرف الذقن وهو مقدار ما بين الإصبعين غالبا إذا فرض ثبات وسطه وأدير على نفسه ليحصل شبه دايرة فذلك القدر هو الوجه الذي يجب غسله قال في الحبل المتين وذلك
(١٠٠)