بعنوان إهراقه مثلا فيه إشكال عظيم لأنه مظنة الاسراف الشديد فلو قيل بجواز بيعه ممن يستحله أو سقيه للدواب والصبيان وفرض أنه لا إسراف فيه فحينئذ ينبغي أن يكون التجنب عنه بهذا النحو ولو انتفى ذلك فلا يبعد أن يقال حينئذ الاحتياط في بيعه ممن يستحله إن أمكن أو أكله نعم بعد الاكل ينبغي أن يطهر ما لاقاه من بدنه ثم يصلي وكذا يطهر القدر وساير ما لاقاه وحمل كلام المصنف أيضا على ما ذكرنا ليس ببعيد الثالث أن هذه المسألة أيضا كان الأليق بها أن يذكر فيما بعد حيث يعد المطهرات (ولو اشتبه المطلق بالمضاف وفقد غيرهما تطهر بكل منهما بخلاف المشتبه بالنجس أو المغصوب) أما الحكم الأول فظاهر لأنه مأمور بالطهارة بالماء المطلق عند وجوده والتمكن من استعماله أمرا مطلقا ولا شك إن الماء المطلق موجود في هذا الفرض وكذا التمكن من استعماله فيجب الامتثال بالاتيان بالطهارة به ولما كان لا بد في الامتثال من أن يحصل اليقين أو الظن بالاتيان بالمأمور به وذلك اليقين أو الظن في الفرض المذكور لا يحصل بدون الطهارة بهما جميعا فلا بد من الطهارة بهما سواء قلنا بوجوب مقدمة الواجب المطلق أولا إذ لا نزاع في لا بديتها وليس غرضنا ها هنا سوى اللابدية وأما الوجوب المتنازع فيه فلا غرض يتعلق به فيما نحن فيه كما لا يخفى وما يتوهم في المقام من أن لا بد من الجزم في النية ولا جزم فيها في الطهارة بكل منهما فليس بشئ إذ لا جزم بل ولا ظن بأن لا بد من مثل هذا الجزم في النية ولو سلم ففي صورة الجزم أو الظن وأما فيما لم يتيسر كما فيما نحن فيه فلا وكأنه قد مر في مبحث النية في الوضوء ما يكفي مؤنة هذا المقام فعلى هذا ينوي في كل من الطهارتين القرية وطلب الامتثال لأمر الله وتحصيل الطهارة المطلوبة بالماء المطلق بأيهما كان ماء مطلقا أما هذا وأما ذاك ثم أنه هل يصح الطهارة بهذين المائين المشتبهين مع وجود ماء غير مشتبه صرح الشهيد الثاني في شرحه للارشاد بعدم الصحة للقدرة على الجزم التام في النية فلا يصح بدونه وللنزاع مجال وإن كان الاحتياط فيه فرع لو انقلب أحد هذين المائين فالحكم ماذا الظاهر كما نص عليه صاحب المدارك إن الأصحاب قطعوا بوجوب الوضوء بالباقي والتيمم مقدما الأول على الثاني قال الشهيد الثاني في روض الجنان ولو فرض انقلاب أحدهما قبل الطهارة وجب الطهارة بالآخر ثم التيمم لما تقدم من أن الجمع مقدمة الواجب المطلوب ولا الحكم بوجوب الاستعمال تابع لوجود المطلق وقد كان وجوده مقطوعا به فيستصحب إلى أن يثبت العدم ويحتمل ضعيفا عدم الوجوب فتيمم خاصة لان التكليف بالطهارة مع تحقق وجود المطلق وهو منتف ولأصالة البراءة من وجوب الطهارتين وجوابهما يعلم مما ذكرناه فإن الاستصحاب كاف في الحكم بوجود المطلق وأصالة البراءة ها هنا منتفية لوجوب تحصيل مقدمة الواجب المطلق وهي لا يتم إلا بفعلهما معا فلن قيل ما ذكرتم من الدليل يقتضي عدم وجوب التيمم فإن استصحاب وجود المطلق إن تم لا يتم معه وجوب التيمم إذ هو مع الاشتباه لا مع تحقق الوجود قلنا الاستصحاب المدعى إنما هو استصحاب وجوب الطهارة به بناء على أصالة عدم فقد المطلق وذلك لا يرفع أصل الاشتباه لان الاستصحاب لا يفيد ما في نفس الامر فالجمع بين الطهارتين يحصل اليقين انتهى وقال صاحب المدارك بعد نقل مذهب الأصحاب على ما نقلا وقد يقال أن الماء الذي يجب استعماله في الطهارة إن كان هو ما علم كونه ماء مطلقا فالمتجه الاجزاء بالتيمم وعدم وجوب الوضوء به كما هو الظاهر وإن كان هو ما لا يعلم كونه مضافا اكتفى بالوضوء فالجمع بين الطهارتين غير واضح ومع ذلك فوجوب التيمم إنما هو لاحتمال كون المنقلب هو المطلق فلا يكون الوضوء بالآخر مجزيا وهذا لا يتفاوت الحال فيه بين تقديم التيمم وتأخيره كما هو واضح انتهى وفي كل من الكلامين نظر أما في كلام الشهيد الثاني (ره) فنقول أولا إن التمسك باستصحاب وجود الماء المطلق غير جيد لأنه استصحاب في الأمور الخارجية لا الشرعية حجية الاستصحاب فيها ضعيفة جدا مع أنه معارض باستصحاب وجود الماء المضاف فالأولى أن يتمسك باستصحاب وجوب الطهارة قبل الانقلاب لينقلب الاستصحاب إلى الاستصحابات في الأمور الشرعية من دون معارض لكن هذا إنما يصح في بعض الصور لا مطلقا وثانيا إن ما ذكره في جواب فإن قيل من أن الاستصحاب لا يرفع الاشتباه لأنه لا يفيد ما في نفس الامر لا يظهر له وجه لان الاستصحاب على تقدير حجية وإن لم يفد ما في نفس الامر لكن لا شك أنه يفيد الحكم بالنسبة إلى المكلف وإلا فما الفائدة فيه وهو ظاهر وحينئذ نقول إذا ثبت وجود الماء بالاستصحاب وكان هذا الوجود معتبرا شرعا فلا مرية في أنه يجب الطهارة به البتة عند التمكن من استعماله ضرورة وجوب الطهارة عند وجود الماء والتمكن من استعماله فلا معنى لوجوب التيمم حينئذ فإن قلت لا نسلم وجوب الطهارة عند وجود الماء الاستصحابي قلت هذا القول لا يجتمع مع حجية الاستصحاب في الأمور الخارجة شرعا وهو ظاهر بل هو في الحقيقة نفي لحجيته وأيضا فما الفائدة حينئذ في التمسك به إذ لو لم تجب الطهارة بالماء الاستصحابي قطعا فلأي شئ يتعرض له لان احتمال وجوب الطهارة يكفي فيه احتمال وجود الماء وهو غير متوقف على الاستصحاب وثالثا إن قوله الجمع بين الطهارتين يحصل اليقين إن أراد أنه يحصل اليقين بامتثال الطهارة المائية التي ثبت بالاستصحاب وجوبها ففساده ظاهر لعدم مدخلية التيمم فيه قطعا وإن أراد به إن ها هنا يقينا بالتكليف ولا ندري أنه تكليف بالطهارة المائية بناء على بقاء الماء المطلق أو الترابية بناء على انقلابه لان كلا منهما مشتبه في نظرنا فيجب الاتيان بهما جميعا ليحصل اليقين بالبراءة ففيه بعد تسليم وجوب تحصيل اليقين في مثل هذه الصورة إنه لا حاجة حينئذ إلى الاستصحاب لان بناء الحكم على ما عرفت على احتمال وجود المطلق وهو غير محتاج إليه وهو ظاهر وبالجملة كلامه (ره) مضطرب جدا وأما في كلام صاحب المدارك (ره) فنقول في جوابه إن الماء الذي يجب استعماله في الطهارة هو الماء المطلق الواقعي بناء على أن الألفاظ موضوعة للمعاني النفس الامرية من غير دخول العلم والظن فيها
(٢٦٤)