الخبر السابق يقرب حمل بينك الروايتين على ما ذكره العلامة انتهى ولا يخفى إن ملاحظة الجمع بين الأدلة ليست باعتبار الخبر الصحيح السابق المذكور في باب الخنزير وهذه الروايات الضعيفة فقط بل باعتبار الاخبار المتكثرة المستفيضة الصحيحة وغير الصحيحة التي نقلنا في باب الكلب أيضا إذ لا قايل بالفرق بين شعر الخنزير وشعر الكلب سيما إذا كان الكلام مع السيد وهو ليس بقايل بالفرق فإذا عمل بظاهر هاتين الروايتين في الخنزير يجب أن يأول جميع تلك الروايات و هاتان الروايتان مع عدم صحة أحديهما مما لا يصلح لمعارضة تلك الأخبار المتكثرة مع صحة كثير منها وقد علمت إنه نها على رأي من لا يقول بنجاسة البئر والقليل بالملاقاة لا يلزم حمل هاتين الروايتين أيضا على محمل بعيد أصلا فظهر بما قررنا إنه على أي حال يكون القوة لجانب النجاسة مع معاضدتها بالاحتياط ثم لا يذهب عليك إنه لو لم يكن مخافة خرق الاجماع المركب لما بعد القول بالفرق بين شعر الكلب والخنزير بل بين شعر الخنزير إذا كان عليه وبينه إذا انفصل عنه إذ على هذين الوجهين سيما على الأخير يصير طريق الجمع بين الروايات أسهل كما يظهر من التأمل فيما ذكرنا فتأمل ثم إن ها هنا رواية أخرى رواها التهذيب في باب الذبائح والأطعمة والفقيه في باب الصيد والذبايح عن برد الإسكاف قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني رجل خراز لا يستقيم عملنا إلا بشعر الخنزير نخوز به قال خذ منه وبرة فاجعلها في فخارة ثم أوقد تحتها حتى يذهب دسمه ثم اعمل به وهي بإطلاقها يصلح أن يجعل دليلا للسيد حيث لم يؤمر بغسل اليد لكن فيه ضعف حيث إن هذا الاطلاق بعد التقييد في روايات كثيرة سيما في روايتين آخريين من هذا الراوي بعينه لا يؤثر في شئ كما لا يخفى (والمسكرات خلافا لابن بابويه والحسن والجعفي) قال العلامة (ره) في المختلف الخمر وكل مسكر والفقاع والعصير إذا غلا قبل ذهاب ثلثيه بالنار أو من نفسه نجس ذهب إليه أكثر علمائنا كالشيخ المفيد والشيخ أبي جعفر والسيد المرتضى وسلار وابن إدريس وقال أبو علي بن أبي عقيل من أصاب ثوبه أو جسده خمرا ومسكر لم يكن عليه غسلهما لان الله تعالى إنما حرمهما تعبدا لا أنهما نجسان وكذلك سبيل العصير والخل إذا أصاب الثوب أو الجسد وقال أبو جعفر ابن بابويه لا بأس بالصلاة في ثوب أصابه خمر لان الله تعالى حرم شربها ولم يحرم الصلاة في ثوب أصابه مع أنه قد حكم بنزح ماء البئر أجمع بانصباب الخمر فيها انتهى وقال صاحب المعالم بعد نقل خلاف الصدوق والحسن بن أبي عقيل وعزى في الذكرى إلى الجعفي وقال الصدوق وابن عقيل ولا يعرف هذا القول لسواهم من الأصحاب انتهى وقال المحقق في المعتبر الخمر نجسة العين وهو مذهب الثلاثة وأتباعهم والشافعي وأبي حنيفة وأكثر أهل العلم وقال محمد بن بابويه وابن أبي عقيل منا ليست نجسة ويصح الصلاة مع حصولها في الثوب وإن كانت محرمة انتهى ونحن نأتي بالكلام في بحثين الأول في الخمر والثاني في ساير المسكرات أما الأول فنقول احتج القائلون بنجاسة الخمر بوجوه منها ما قال العلامة في المختلف بقوله الأول الاجماع على ذلك فإن السيد المرتضى قال لا خلاف بين المسلمين في نجاسة الخمر إلا ما يحكى عن شذاذ لا اعتبار بقولهم وقال الشيخ الخمر نجسة بلا خلاف وكل مسكر عندنا حكمه حكم الخمر والحق أصحابنا الفقاع بذلك وقول السيد المرتضى والشيخ حجة في ذلك فإنه إجماع منقول بقولهما وهما صادقان فيغلب على الظن ثبوته والاجماع كما يكون حجة إذا نقل متواترا فكذا إذا نقل أحادا انتهى ومنها قوله تعالى إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه واستدل به في المعتبر والمختلف بوجهين أحدهما إن الموصف بالرجاسة وصف بالنجاسة لترادفهما في الدلالة والثاني إنه أمر بالاجتناب وهو موجب للتباعد المستلزم للمنع من الاقتراب لجميع الأنواع لان معنى اجتنابها كونه في جانب غير جانبها فيستلزم المنع من أكله وملاقاته وتطهير المحل بإزالته ولا معنى للنجس إلا ذلك وزاد في المنتهى وجها آخرا وهو إن ما حرم على الاطلاق كان نجسا كالدم والبول وفي الوجوه جميعا نظر أما الأول فلان الرجس لا نسلم إنه مرادف للنجس وقول الشيخ في التهذيب الرجس هو النجس بلا خلاف لا حجة فيه لان أهل اللغة لم يذكروا النجس في معناه بل ذكروا له معاني أخر لا يقرب منه أيضا سوى ما ذكروا من القذر والظاهر أن القذر ليس هو النجس المصطلح بل هو ما يستقذره الطبع ويستكرهه وهو غير معنى النجس المصطلح مع أنه لو فرض أنهم ذكروا النجس في معناه أيضا لا شكل الحكم إذ لم يعلم أن النجس في اللغة بالمعنى المصطلح بين الفقهاء المراد ها هنا وكونه في العرف والشرع أيضا بهذا المعنى ممنوع إذ لا دليل عليه أصلا مع أن في الآية الكريمة وقع خبرا عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام جميعا في الظاهر فلا يخلو أما أن يقدر مضاف محذوف ليصح حمله على الجميع مثل التعاطي ونحوه وعلى هذا ظاهر أنه لا يصح جعله بمعنى النجس لان تعاطي الخمر مثلا ليس نجسا بل لا بد من حمله على معنى آخر مثل الماء ثم لأنه من بعض معانيه أو العمل المستقذر أو القذر الذي يعاف منه العقول كما يوجد في كلام جماعة من المفسرين أو يقال إن المراد إن كل واحد رجس وحينئذ أيضا لا يصح الحمل على النجس وإلا يلزم استعمال اللفظ في معنييه الحقيقيين بل الحقيقي والمجازي أو يجعل الرجس المذكور خبرا عن الخمر فقط ويقدر لكل من الأمور الأخر خبرا آخر وعلى هذا أيضا لا يصح حمل الرجس على النجس لان القرينة على التقدير دلالة المذكور على المحذوف فلو حمل الرجس على النجس يلزم أن يكون الرجس المقدر أيضا كذلك ولو فرض جواز الاكتفاء في الدلالة بمجرد الاشتراك في اللفظ وإن لم يكن المعنى في الجميع واحدا فلا ريب أنه المرجوح بالنسبة إلى الاحتمالات السابقة ولا أقل من التساوي وعلى هذا كيف يستقيم الاستدلال وأما الثاني فلان المتبادر من الاجتناب من كل شئ الاجتناب عما يتعارف في الاقتراب منه مثلا المتعارف في اقتراب الخمر الشرب منه وفي اقتراب الميسر اللعب به وفي اقتراب الأنصاب عبادتها فعلى هذا يكون الامر بالاجتناب عن الخمر المتبادر منه الاجتناب عن شربه كما أن الاجتناب في أخواته أيضا كذلك لا الاجتناب من جميع الوجوه وهذا كما
(٣٢٦)