مماسة لا ممازجة واتحاد فأشبه المتصل بغير الماء في انفعاله من النجاسة لقلته والتردد في هذا الحكم بعد الذهاب إلى أن الكثير الجامد لا ينجس بملاقاة النجاسة إلا وجه له أيضا وبالجملة الظاهر نجاسة موضع الملاقاة سواء كان كثيرا أو قليلا بناء على نجاسة الرطب الملاقي للنجاسة وعدم سراية النجاسة إلى ما عداه لعدم دليل عليه (ويطهر بإلقاء النجاسة وما يكتنفها) كالدهن النجس الذي ليس بمايع (ولو اتصل الموضع بالكثير فإن زال العين وتخلل طهر) لا خفاء في هذا الحكم وكان المراد بالمتخلل وصول الماء إلى جميع ما لاقته النجاسة ثم اختصاص تطهيره بالكثير كما يفهم من فحوى العبارة دون القليل سيجئ تفصيل القول فيه إنشاء الله تعالى في بحث تطهير الثياب والبدن (ولو جمد الماء النجس فطهره باختلاط الكثير به إذا صار مايعا) لا شك في حصول الطهارة بالاختلاط بالكثير بعد الميعان لأنه ماء نجس وجميع ما مر في تطهير الماء النجس جار فيه أيضا (ولو قدر تخلله) أي تخلل الماء الكثير فيه قبل صيرورته مايعا كالثلج (أمكن الطهارة) هذا الحكم لا يخلو عن إشكال بيانه إن ما ثبت من تطهير الماء أنه إذا لاقى الموضع الذي لاقته النجاسة وصار نجسا فإنما يطهره والأعيان الجامدة التي ليست أعيانها نجسة إذا لاقته النجاسة نجسته فكلما لاقته النجاسة من أجزائه يصل إليه الماء أيضا بالضرورة فيطهره وأما الأعيان المايعة فلما كان بملاقاة النجاسة ينجس جميعها فلا بد من وصول الماء إلى جميعها ليطهرها وذلك محال لامتناع التداخل فعلى هذا إذا نجس الماء ينجس جميعه فلا بد من وصول الماء إلى جميعه حتى يطهر ولا شك أنه عند الجمود لا يصل الماء إلى جميعه لامتناع التداخل فلا يطهر فإن قلنا لو تم ما ذكرت للزم أن لا يطهر بعد ميعانه أيضا بل لا يطهر الماء النجس مطلقا قلت الاجماع دل على تطهير الماء فيتبع وما نحن فيه ليس إجماع فينبغي الحكم على مقتضى الأصول وغاية ما يمكن أن يقال أنه لما كان بعد الميعان يطهر بوصول الماء إلى أجزائه التي يمكن وصوله إليها فقبله أيضا الظاهر طهره بوصول الماء إلى تلك الأجزاء كما هو المفروض لعدم تعقل الفرق وفيه بعد تأمل لأن عدم تعقل الفرق لا يفيد في المقام مع أن وصول الماء إلى جميع تلك الأجزاء مما لا يمكن حصول العلم به اللهم إلا إذا فرض أخبار المعصوم مثلا ولا يخفى أنه على الوجه الذي ذكرنا آخرا يلزم على القول بطهارة الماء النجس بالاتصال طهر هذا باتصاله بالكثير وكأنه لم يقل به أحد اللهم إلا على رأي العلامة (ره) من إدخال الجامد تحت الماء وبالجملة الأولى أن لا يكتفي في تطهيره بتخلل الماء فيه قبل الميعان والله أعلم (وثالثها الجاري نابعا) احترز به عما إذا كان جاريا من غير نبع فإن حكمه حكم الواقف اتفاقا نعم القليل منه إذا كان منحدرا لا ينجس ما فوقه ما سيجئ واعلم أنه لا يشترط فيه الجريان بل يكفي مجرد النبع والمراد منه غير البئر بقرينة إفرادها بالذكر (ولا ينجس إلا بالتغير) لا خفاء في نجاسة الجاري بالتغير للاجماع والروايات المتقدمة في بحث القليل الدالة على نجاسة كل ماء بالتغير وأما بالملاقاة فإن كان كرا فلا خفاء أيضا في عدم نجاسته للاجماع والروايات وأما إذا لم يكن كرا فالمشهور بين الأصحاب عدم نجاسته به المحقق في المعتبر ادعى اتفاق الأصحاب عليه وتبعه العلامة (ره) في المنتهى والعلامة مع ذلك خالف الأصحاب وحكم باشتراط كريته في عدم الانفعال بالملاقاة وتبعه بعض المتأخرين منهم الشهيد الثاني (ره) في بعض كتبه والظاهر هو الأول للاجماع المنقول بخبر الواحد العدل وللأصل وعدم دليل مخرج عنه كما يظهر عند ذكر أدلة الخصم وللروايات المتقدمة في بحث القليل الدالة على طهارة كل ماء ما لم يتغير خرج عنه القليل الواقف بالدليل وبقي الجاري ولا يخلو عن بعد وبما رواه التهذيب والاستبصار في ماء البئر تقع فيه ما يغير أحد أوصافه في الصحيح عن محمد بن إسماعيل عن الرضا (عليه السلام) قال ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لان له مادة وجه الاستدلال أنه (عليه السلام) جعل العلة في عدم فساده بدون التغير أو في طهارته بزواله وجود المادة والعلة المنصوصة حجة كما تقرر في الأصول والمادة موجودة في الماء الجاري وأورد عليه أنه يمكن أن يكون التعليل الذهاب الريح وطيب الطعم كما يقال ألزم حتى يعطيك حقك فإنه يكره ملازمتك وألزم الحمية حتى يذهب مرضك فإن الحمية داء كل دواء وفيه بعد لان ذهاب الريح وطيب الطعم بالنزح مما لا يحتاج إلى بيان علة لأنه أمر بديهي محسوس فحمل كلامه (عليه السلام) مما يخرجه عن الفايدة ولا يليق بهم (عليهم السلام) وقد يمنع أيضا وجود المادة في الجاري مطلقا إذ المادة كما هو الظاهر لا بد أن يكون كرا مجتمعا ووجود مثلها في كل جار غيره معلوم إذ يجوز أن يكون نبع بعضها بطريق الترشح عن عروق الأرض سلمنا عدم اعتبار الاجتماع لكن وجود الكر أيضا متصلا به غير معلوم يجوز أن يحصل في بعض العيون الماء بقدر ما يخرج تدريجا في الأرض أما بانقلاب الهواء كما هو رأي الحكماء أو بإيجاد الله تعالى إياه من غير مادة أو بذوبان الثلج ونعوده في الأرض شيئا فشيئا والبعض الذي تبعد فيه هذه الاحتمالات لا ينفك عن الكثرة وبما ورد من نفي الباطن بالبول في الماء الجاري وقد تقدم في بحث كراهة البول في الماء وفيه نظر ظاهر لان نفي البأس في البول في الماء ظاهره أنه لا حرمة في هذا الفعل لأنه لا ينجس الماء حجه العلامة روايات الكر المتقدمة الدالة بمفهومها على نجاسة كل قليل بالملاقاة وفيه نظر لان مفهوم الروايات لا عموم له إذ غاية ما يدل عليه نجاسة بعض ما ليس بكر وقد سبق إن القول بتعميمه بناء على عدم القول بالفصل والقائل بالفصل ها هنا موجود قال صاحب المدارك (ره) سلمنا العموم لكن نقول عمومان تعارضان من وجه فيجب الجمع بينهما بتقييد أحدهما بالآخر والترجيح في جانب الطهارة بالأصل و الاجماع وقوه دلالة المنطوق على المفهوم انتهى والظاهر أن مراده (ره) من العمومين عموم المفهوم وعموم الروايات الدالة على أن كل ماء لا ينجس ما لم يتغير و فيه حينئذ أنه ليس بين العمومين عموم من وجه لان عموم المفهوم إن كل ماء قليل ينجس بالملاقاة وعموم الروايات إن كل ماء لا ينجس بالملاقاة وبينهما عموم
(٢٠٥)