قال سئلته عن فارة المسك يكون مع الرجل وهو يصلي وهي معه في جيبه أو ثيابه قال لا بأس بذلك وهذا الخبر في الفقيه أيضا في باب ما يصلي فيه وهذا وإن كان مطلقا لكن على ما ذكروه من أن المطلقات في مثل هذا المقام يفيد العموم يمكن تخصيص الحكم به لأنه وإن كان بينه وبين العمومات لو كانت عموم وخصوص من وجه لكن معاضدته بالأصل يرجح تخصيص العمومات به وقد يناقش فيه بأن جواز الصلاة لا يدل على الطهارة لجواز أن يكون عفوا وفيه بعد ولا يعارض هذا بما رواه التهذيب في الباب المذكور في الصحيح عن عبد الله بن جعفر قال كتبت إليه يعني أبا محمد (عليه السلام) هل يجوز للرجل أن يصلي ومعه فارة مسك فكتب لا بأس به إذا كان ذكيا لأنه يجوز أن يكون الضمير راجعا إلى الظبي المدلول عليه بالفارة ويؤيده تذكير الضمير والمراد بكونه ذكيا كونه مذكى أي لا يكون ميتا لا أن يكون مذبوحا لشيوع إرادة ما ذكر من هذا الكلام وحينئذ لا منافاة وهذا الجواب إنما يصح من قبل من لا يقول بطهارتها إذا انفصلت من الميتة ولو رجع إلى الفارة يجوز أن يكون المراد بكونها ذكيا ما ذكرنا أيضا ويحتمل أن يكون المراد كونها طاهرة أي لم يعرضها نجاسة من خارج وهو بعيد إذ لا خصوصية لها بالفارة و ينبغي أن يكون في جواب السؤال عن حال الفارة أن يذكر ما له مزيد ربط بها كما لا يخفى فإن قلت إن لم نقل إن حمل الذكي على المذبوح أظهر من حمله على ما ليس بميت فلا أقل من مساواته له وحينئذ فينبغي الحمل عليه لان لا يلزم زيادة التخصيص في العمومات الدالة على نجاسة جميع الأجزاء المنفصلة عن الحي والميت إذ الكلام على تقدير وجودها لان زيادة التخصيص خلاف الأصل كأصله فمهما أمكن التقليل فيه لوجب قلت أما أولا فيمكن أن يقال إذا كان عام على خلاف أصل ثم وجد مخصص له احتمالان على أحدهما يلزم زيادة التخصيص من الاخر ففي هذه الصورة لا قطع بأنه يجب العمل بالعام فيما سوى ما تيقن تخصيصه إذ يجوز أن يقال أنه يجب العمل به فيما يتقن عدم تخصيصه والتكليف اليقيني في مثل هذه الصورة لا نسلم لزوم تحصيل يقين البراءة منه بل إنما يجب تحصيل يقين البراءة من القدر اليقيني منه وها هنا القدر اليقيني ما تيقن عدم تخصيصه أي ما سوى الاحتمالين المذكورين جميعا لا ما سوى الاحتمال الأخص فقط وأما ثانيا فلان فيما نحن فيه تحقق أمر يمنع من العمل بما ذكرته على تقدير تسليم وجوب العمل به لان الحمل على المذبوح وإن استلزم قلة التخصيص في العمومات لكنه يستلزم زيادته في صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) ولعله رعاية جانبها أقوى لمعاضدتها بالأصل مع أنك قد عرفت أن لا عموم ظاهرا فظهر إن الحكم بالطهارة فيما انفصل عن الحي لا يخلو من وجه من حيث المأخذ مع أنه لا يعرف قايل ظاهر بخلافه لكن الأحوط التجنب عنه لان حمل الذكي على المذبوح احتمال ظاهر راجح بحسب اللغة وإن لم يسلم رجحانه بحسب العرف وإن كان بعد حمله عليه أيضا كلام سيجئ في البحث الآتي الثالث ما الحال في الخلاف المذكور بين المنتهى وبين التذكرة والنهاية والذكرى فاعلم إن حجة المنتهى صحيحة عبد الله بن جعفر ووجه الاحتجاج إن الذكي أما بمعنى ما لا يعرضه النجاسة وهو بعيد كما علمت وأما بمعنى المذبوح كما وقع في كثير من الروايات بهذا المعنى وأما بمعنى غير الميت وأما بمعنى الطاهر في نفسه ولا شك إن عدم طهارة الفارة في نفسه لا وجه له إلا كونها مأخوذة من غير المذبوح حيا أو ميتا أو مأخوذة من خصوص الميت وعلى جميع تلك التقادير سوى الاحتمال الأول الغير الظاهر الذي لا يصح حمل الخبر عليه يكون المأخوذ عن الميت داخلا في الحكم فلا بد من الحكم باستثنائها من نفي البأس وفيه أنه وإن كان كذلك لكن وجود البأس في الصلاة فيها إذا انفصلت عن الميت لا يدل على نجاستها لجواز أن تكون طاهرة لكن لا يجوز الصلاة فيها باعتبار أخذها عن الميت لكن لا يخلو هذا عن إشكال حيث أنه لم يعرف قايل بطهارتها مع عدم جواز الصلاة فيها ويمكن أن يقال أيضا أنه يجوز حمل البأس على البأس التنزيهي لا التحريمي ووروده في أحاديثنا بهذا المعنى شايع جدا فالخروج عن الأصل مع تقويته بصحيحة علي بن جعفر بمجرد هذا الخبر المحتمل لما ذكر لا يخلو عن صعوبة وبالجملة لا ريب أن الاحتياط في الاجتناب عنه مطلقا سيما في عدم الصلاة معه الذي هو مورد الرواية ثم إن المنتفى نسب إلى الذكرى أنه حمل الذكي الواقع في الخبر على الطاهر ولم نجد فيها هذا (مما تحله الحياة) الظاهر أن يجعل متعلقا بالميتة وما عطف عليها أي ما قطع من الحيوان لان الحكم مقيد به فيهما جميعا عندهم فالأولى جعل الكلام شاملا لهما وها هنا مقامان الأول بيان أن ما لا تحله الحياة ماذا والثاني الدلالة على إخراجه من الحكم بالنجاسة في الميت والمقطوع من الحي أما الأول فالظاهر أنه عشرة أشياء لا يعرف من الأصحاب خلاف في طهارتها على ما في المعالم والمنتهى وهي الصوف والشعر والريش والوبر والعظم والقرن والظلف والحافر والبيض والإنفحة وأما الثاني فالدليل على طهارتها أصالة الظهارة إذ عموم دلالة نجاسة الميتة بحيث يشمل هذه الاجزاء غير ظاهر كما عرفت والاتفاق ظاهرا وعدم صدق اسم الميتة عليها لان الموت فرع الحياة لولا يخفى أنه لو كان نص يدل على أن الميتة نجسة فلا يبعد أن يقال أن الظاهر أن جميع أجزائها نجسة كما يقولون أن جميع أجزاء الكلب مثلا نجس باعتبار إنه ورد النص بنجاسة الكلب وهو ظاهر في نجاسة جميع أجزائه وكون بعض أجزائها مما لا تحمله الحياة لا يقدح فيه فالعمدة عدم وجود النص الدال على تعليق الحكم بالنجاسة على الميتة كما يقولون لا عدم حلول الحياة كيف وظاهر أن زوال الحياة ليس سببا للنجاسة وإلا لزم أن يكون الحيوان المذكى أيضا نجسا بل عدم التذكية يصير سببا لنجاسة الحيوان ولا استبعاد في أن يصير سببا لنجاسة جميع أجزائه سواء حلته الحياة أو لا وعدم وجود النص الكذائي فيه كلام كما ظهر لك مما سلف وقد نوقش أيضا في عدم حلول الحياة في العظم لقوله تعالى قل يحييها الذي إنشاءها أول مرة إذ الاحياء مستلزم للحيوة وأجيب بأن الاحياء حقيقة لصاحب العظام نسب إليها تجوز أو بدل أيضا على الحكم
(٣١٦)