فتجديدي مقتضى الاحتياط في الابتدائي أن يؤتى به بعد الحدث خصوصا مع عموم موثقة ابن بكير المتقدمة وإياك أن تحدث وضوء أبدا حتى تستيقن أنك قد أحدثت والله أعلم بحقايق الأمور (ولا يجب شئ منها وجوبا مطلقا في الأصح) أي لا يجب شئ من الوضوء والغسل والتيمم وجوبا مطلقا بدون أن يكون وجوبه الغاية من الغايات المذكورة أو بسبب نذر من المكلف أو شبهة بل في نفسه بأصل الشرع أعلم إن كلام قدمائنا رضوان الله عليهم كما نقل خال عن التعرض لان وجوب الطهارات هل هو في نفسها أو لغيرها وإنما طال التشاجر والتنازع بين المتأخرين رحمهم الله في خصوص غسل الجنابة هل هو واجب لنفسه أو لغيره فابن إدريس والمحقق رحمهما الله وجماعة على الثاني والراوندي والعلامة ووالده رحمهم الله وجماعة على الأول ويفهم من كلام المصنف (ره) في الذكرى وقوع الخلاف في غير غسل الجنابة أيضا من الطهارات حيث قال وربما قيل بطرد الخلاف في كل الطهارات لان الحكمة ظاهرة في شرعيتها مستقلة انتهى لكنه لم يشتهر كالأول فلا بد أولا من تحرير محل النزاع وما يتعلق به عموما ثم الكلام في أدلة الطرفين في خصوص كل من الطهارات فنقول القائلون بوجوبه في نفسه مرادهم أنه إذا وقع حدث من المكلف من الاحداث التي سيأتي ذكرها إنشاء الله تعالى فيجب بعد ذلك الحدث الطهارة التي ذلك الحدث سبب لها ولا يتوقف وجوبها على دخول وقت وجوب العبادة التي مشروطة بها ولا على الظن بأنها سيجب والقائلون بوجوبها لغيرها يقولون أن بعد الحدث لا يجب الطهارة بل يجب بعد وجوب مشروطها ولعل مرادهم أنها يجب بعد وجوب مشروطها إذا كان المشروط موسعا يفضل وقته منه كالصلاة وأما إذا كان مضيقا كالصوم فإنما يجب عند تضيق دخول وقته بقدر فعلها وإنما اكتفوا بالأول لكثرته وندور الثاني معتمدا على ما ذكروه في وجوب الغسل للصوم فلا يرد ما أورد عليهم من أنه مناف للقول بوجوب الغسل للصوم قبل وقته والظاهر أن معنى الوجوب بالغير الذي ادعوه ليس هذا بعينه بل هذا لازم من لوازمه باعتقادهم فلذا قد يفسرونه به وإنما معناه أن الغرض من وجوب الطهارة إنما هو مشروطها من الصلاة ونحوها ولم يتعلق بها غرض في نفسها بل إنما شرع لتحصيل صحته فقط لكنهم اعتقدوا أن هذا المعنى يستلزم أن يكون وجوبها بعد وجوب مشروطها أو عنده مضيقا ولا يخفى ما فيه إذ الاستلزام ممنوع لان غاية ما يلزم ذلك المعنى أن لا يجب الطهارة عند العلم أو الظن بأن ما هو مقصودها والغرض منها لم يمكن الاتيان به ولم يصر واجبا في وقته وأما إذا علم أو ظن أنه سيصير واجبا ويمكن الاتيان به فلا مانع من القول بوجوبها لذلك الغرض وإن لم يجب بعد لكن وجوبا موسعا بتضيق الغرض وقد يدعون أيضا لازما آخر لهذا المعنى وهو تضيقها بتضيق الغرض والظاهر أنه كما يدعون وإذا عرفت هذا فاعلم أنهم ذكروا في ثمرة النزاع أن المكلف إذا خلت ذمته بعد وقوع الحدث من واجب مشروط بالطهارة فهل يوقعها إذا أراد إيقاعها بنية الوجوب أو الندب فعلى الأول بالأول وعلى الثاني بالثاني مع اتفاق الفريقين ظاهرا على شرعية الايقاع وبما قررنا ظهر ما فيه لما علمت من عدم استلزام الوجوب بالغير بالمعنى الذي سبق لعدم وجوب الطهارة قبل وقت وجوب المشروط بها نعم إذا خلت ذمته ولم يظن بشغلها بعده أو دل دليل على حدة على ما يدعونه لازما للوجوب بالغير لكان الامر كما ذكروه وسيجئ إنشاء الله تعالى ما يصلح لان يكون دليلا عليه وبهذا ظهر أن ما ذكره صاحب المدارك (ره) في بحث وجوب الغسل للصوم ومقتضى العبارة أن المكلف إذا أراد تقديمه وكانت ذمته بريئة من مشروط بالطهارة قوى الندب إن اعتبرنا الوجه وهو كذلك بناء على القول بأن وجوبه لغيره ورجح بعض مشايخنا المعاصرين جواز إيقاعه بنية الوجوب من أول الليل وإن قلنا بوجوبه لغيره وكأنه أراد به الوجوب الشرطي وإلا فالوجوب بالمعنى المصطلح منتف على هذا التقدير قطعا انتهى منظور فيه وحال من ظن قبل وقت وجوب المشروط أنه سيجب لكن لم يكن غرضه من الاتيان بالطهارة إيقاع ذلك المشروط في وقته على القول بالوجوب بالغير في جواز إيقاعه إياها بنية الوجوب كحال من يوقعها بعد الوقت لا لذلك الغرض فقس عليه ولا يذهب عليك أن الظاهر أن النزاع في أن الطهارات هل هي واجبة في نفسها أيضا أم لا بل ينحصر وجوبها في الوجوب بالغير بعد الاتفاق على الوجوب بالغير في الجملة كما أشرنا إليه أيضا سابقا لان القائلين بالوجود لنفسها أيضا يذكرون في كتبهم إن الوضوء يجب لكذا وكذا والغسل يجب لكذا وكذا وهو ظاهر في الوجوب بالغير خصوصا في الوضوء لوجود روايات كثيرة دالة على وجوبه للغير كما أوردناها في مفتح الكتاب فيبعد القول مع ذلك بعدم وجوبه للغير رأسا وبهذا اندفع ما يورد على ما جعلوه ثمرة النزاع من أن الوجوب بالغير لا ينافي إيقاع الطهارة قبل وقت وجوب مشروطها بنية الوجوب لجواز أن يكون واجبة في نفسها أيضا ومما يعد من ثمرات النزاع أيضا أنه إذا ظن المكلف بعد الحدث بالوفاة قبل أن يدخل وقت المشروط بالطهارة فعلى القول الأول يجب الطهارة وعلى الثاني لا يجب وهو كذلك سواء قلنا باستلزام الوجوب بالغير المعنى الذي ادعوه من عدم وجوبها ما لم يجب المشروط أو لا وكذا الحال فيما إذا ظن الوفاة بعد دخول الوقت لكن بقدر الطهارة لا بقدر الصلاة مثلا أيضا نعم لو قال أحد باللازم فقط دون الملزوم للزم على قوله أيضا وجوب الطهارة في هذه الصورة كما على القول بوجوبها لنفسها لكن الظاهر أنه لم يقل به أحد هذا إذا جعل اللازم عدم وجوبه ما لم يدخل الوقت وأما إذ جعل اللازم عدم وجوبه ما لم يجب الصلاة أفعلى القول به فقط أيضا الظاهر أنه لا يجب الوضوح لعدم وجوب الصلاة فافهم ولا يخفى أن
(٢٦)