لان القرينة قائمة على إرادة هذا لا معنى وما رواه التهذيب أيضا في باب المياه والكافي في الباب المتقدم عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الماء يطهر ولا يطهر ورواه الفقيه أيضا مرسلا في الباب المذكور إلى غير ذلك واعلم أن ما ذكرنا من إجماع المسلمين عليه بناء على إخراج ماء البحر عن موضوع الحكم لتغير طعمه ولو جعل طعمه داخلا تحت الطعم الأصلي فالخلاف فيه موجود لبعض العامة فإن سعيد بن المسيب وعبد الله بن عمرو و عبد الله بن عمرو بن العاص خالفوا في ماء البحر فقال سعيد إن ألجئت إليه توضأ منه وقال الآخران التيمم أحب إلينا لكن أصحابنا أجمعوا على مطهريته ويدل عليه أيضا مضافا إلى الاجماع واطلاق الآية والروايتين المذكورتين ما رواه التهذيب في باب المياه والكافي في الباب المذكور في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن ماء البحر أطهور هو قال نعم ورويا أيضا مثله في البابين في الموثق أو الحسن عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ولا يذهب عليك أن المناقشة في كون الطهور بمعنى المطهر وإن صحت نظرا إلى قياس اللغة لكونه مبالغة في الطاهر فيكون معناه زياد الطهارة كالأكول والضروب ولكن الظاهر أن الطهور قد جعل اسما لما يتطهر به وفسره به بعض من المفسرين وجمع كثير من اللغويين وتتبع الروايات مما يورث ظنا بأن الطهور في إطراقاتهم المراد منه المطهر أما لكونه صفة بهذا المعنى أو اسما لما يتطهر به وعلى التقديرين يثبت المرام (فإن خرج بمخالطة طاهر فهو على الطهارة فإن سلبه الاطلاق فمضاف وإلا كره الطهارة) لا خلاف بين المسلمين على ما في المنتهى إن الماء المطلق إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة بمخالطة جسم طاهر ولم يسلبه إطلاق الاسم يكون طاهرا مطهرا إذا كان الجسم المخالط مما لا ينفك عنه الماء عادة كالتراب والطحلب وورق الشجر والملح والكبريت الذين يكونان في مقره أو ممره وكذا إذا كان التغيير بمجرد مجاورة الجسم الطاهر لا مخالطته سواء كان مما ينفك عادة أو لا وأما إذا كان التغير بالمخالطة وكان الجسم المخلوط مما ينفك عنه الماء عادة كقليل الزعفران مثلا فقد انعقد إجماعنا أيضا على كونه طاهرا وقد خالف فيه بعض العامة فإن مالك والشافعي لا يجوزان الطهارة به وعلى أحمد روايتان والدليل على الحكمين الأوليين مضافا إلى إجماع المسلمين إطلاق الآيات والروايات ولزوم الحرج والمشقة ولأن الصحابة كانوا يسافرون وكان أسقيتهم الادم و هي لا تنفك عن الدباغ المغير للماء ولم ينقل عن أحد منهم الاحتراز عنه وعلى الحكم الثالث مضافا إلى إجماعنا إطلاق الآيات والروايات ويؤيده أيضا ما رواه التهذيب في باب المياه والاستبصار في باب الوضوء بنبيذ التمر عن الكلبي النسابة أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن النبيذ فقال حلال فقال إنا ننبذه فنطرح فيه العكر وما سوى ذلك فقال شه شه تلك الخمر المنتنة قال جعلت فداك فأي نبيذ تعني فقال إن أهل المدينة شكوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) تغير الماء وفساد طبايعهم فأمرهم أن ينبذوا فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له فيعمد إلى كف من تمر فيقذف به في الشن فمنه شربه ومنه طهوره فقلت فكم كان عدد التمر الذي في الكف فقال ما حمل الكف قلت واحدة أو اثنتين فقال ربما كانت واحدة وربما كانت ثنتين فقلت وكم كان يسع الشن فقال ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى فوق ذلك فقلت بأي الأرطال فقال أرطال مكيال العراق واعلم أن الصدوق (ره) في الفقيه قال ولا بأس بالتوضي بالنبيذ لان النبي (صلى الله عليه وآله) قد توضأ به وكان ذلك ما قد نبذ فيه تميرات وكان صافيا فوقها فتوضأ به فإذا غير التمر لون الماء لم يجز التوضي به انتهى وظاهر هذا الكلام يخالف ما نقلنا من المنتهى من إجماع أصحابنا على الحكم إلا أن يحمل التغير على سلب الاطلاق كما في التهذيب والاستبصار واستدل عليه في المنتهى بحديث مسافرة الصحابة وفي جعله من باب الخلط تأمل ثم إنه لو خرج الماء بسبب المخالطة عن الاطلاق فهو مضاف وحكمه سيجئ إن شاء الله تعالى هذا كله فيما إذا كان التغير بسبب مخالطة الجسم الطاهر أو مجاورته وأما إذا كان تغير الماء من قبل نفسه لطول المكث فإن سلب عنه الاطلاق فحكمه حكم المضاف ولو لم يسلب فهو طاهر مطهر بإجماعنا كما هو الظاهر من المنتهى وعليه أكثر العامة وقد خالف ابن سيرين فلم يجوز الطهارة به وعندنا تكره الطهارة به أما الجواز فيدل عليه الاجماع والاطلاقات وأما الكراهة فيدل عليها ما رواه التهذيب في الباب المذكور والاستبصار في باب حكم الماء الكثير في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في الماء الآجن تتوضأ منه إلا أن تجد ماء غيره وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب الماء الذي فيه قلة بزيادة فتنز منه في آخرها وكذا رواها التهذيب أيضا في زيادات باب المياه و هذه الرواية كما تدل على الكراهة تدل على الجواز أيضا واعلم أن ظاهر هذا الكتاب كراهة الطهارة بالماء المتغير مطلقا سواء تغير من قبل نفسه أو بمخالطة جسم طاهر وهو الظاهر من الاستبصار أيضا لكن الظاهر من المعتبر والمنتهى والذكرى اختصاص الكراهة بالأول فقط وظاهر الحسنة المذكورة يساعد ما في هذا الكتاب لان أهل اللغة على ما رأيناه في الصحاح والقاموس والنهاية فسروا الآجن بالماء المتغير الطعم واللون ولم يقيدوا بشئ لكن نقل بعض مشايخنا عن بعض أهل اللغة أنه الماء المتغير من قبل نفسه وهو يقوى الثاني ولا يبعد أن يكون المعتبر في الكراهة التغير الذي يصير سبب النفرة واستكراه الطبخ وأما التغير الذي ليس كذلك فلا يكون سببا للكراهة لما تشعر به رواية الكلبي المذكورة إلا أن يحمل على الضرورة والأحوط الاجتناب عن التغير بأي شئ كان وبأي نحو كان ما لم يكن ضرورة (وإن خالطه نجس فأقسامه أربعة) باعتبار اختلاف أحكامها (أحدها الواقف القليل وهو ما نقص عن الكر وهو ينجس بالملاقاة تغير بالنجاسة
(١٨٥)