الحكم سوى سلار وكأنه أيضا تسامح في العبارة وكيف كان الأقرب طهارته ولما جرت عادتهم بأفراد السمك من بين ما لا نفس له وتخصيصهم إياه ببحث على حده في مسئلتنا هذه لما فيه من بعض الأمور الذي ليس في غيره فنحن أيضا نقتفي أثرهم ونجعل الكلام بحثين بحثا في السمك وبحثا في غيره مما لا نفس له سائلة فنقول أما السمك فقد قال العلامة في المنتهى دم السمك طاهر وهو مذهب علمائنا لأنه ليس له نفس سائلة وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد قولان أحدهما التنجيس وهو قول أبي ثور لنا قوله تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه والتحليل يقتضي الإباحة من جميع الوجوه وذلك يستلزم الطهارة وقوله تعالى أو دما مسفوحا ودم السمك ليس بمسفوح فلا يكون محرما فلا يكون نجسا ولأنه لو كان نجسا لتوقفت إباحته على سفحه كالحيوان البري ولأنه لو ترك صار ماء احتجوا بقوله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم لأنه دم مسفوح فدخل تحت قوله تعالى أو دما مسفوحا والجواب عن الآية الأولى إن المراد بالدم إنما هو المسفوح ويدل عليه التقييد في الآية الأخرى ولأن الميتة مقيدة به أيضا ولأنه ليس من ألفاظ العموم فيحمل على المسفوح توفيقا بين الأدلة وعن الثاني بالمنع من كونه مسفوحا والمراد منه ما له عرق يخرج الدم منه بقوة لا رشحا كالسمك انتهى كلامه ويرد على دليله الأول إن المتعارف من جل الصيد حل ما يعهد أكله منه كاللحم ونحوه لا الدم كما يقولون إن حرمت عليكم الميتة ليس مجملا لان المعهود حرمة أكلها ولو سلم شموله الدم أيضا فيعارض بالروايات الواردة في نجاسة الدم فإن بينه وبينها عموم من وجه وتخصيصها ليس بأولى من تخصيصه إلا أن يقال لا عموم في الروايات بل بعضها مخصوص بالرعاف ونحو وبعضها مطلق وغاية ما يستفاد من التعميم هيهنا بانضمام إن ترك الاستفصال والتقييد في روايات شتى يفيد العموم تعميمه للأفراد المتعارفة الشايعة وكان دم السمك ليس منها ولو سلم العموم مطلقا فنقول تخصيص الروايات أولا أما أولا فلقوة الكتاب وأما ثانيا فلموافقة الأصل وعلى دليله الثاني إن انحصار المحرم فيما ذكر إلى وقت نزول الآية لا يدل على انحصاره فيه بعده أيضا ولا دليل على أنها آخر الآيات نزولا بل الدليل على خلافه وعلى تقدير أن يكون آخر الآيات أيضا يمكن أن حرم شئ آخر بعدها لا من الآية وإن تمسك بأن الأصل العدم فليتمسك أولا بالأصل من دون حاجة إلى التمسك بالآية لكن قد ورد في روايتين صحيحتين التمسك بالآية نحو مما فيه وهو يؤيد صحة الاستدلال فإن صح كونهما من المعصوم فلعله باعتبار علمهم (عليهم السلام) بعدم ورود حكم بالحرمة بعدها أو كأنه (عليه السلام) ذكرها إرشادا للأمة إلى طريق الاستدلال بها تأييدا للأصل وتقوية له والله يعلم وأما دليله الثالث فقوي جدا إذ لو كان دمه نجسا لما أمكن أكل لحمه لأنه لا يخلو من دم وليس مما يذكى حتى يكون ما يخرج منه بالسفح نجسا وما بقي طاهرا ولو قيل يترك حتى يخرج جميع دمائه أو يصير ماء كما يشعر به دليله الاخر من أنه لو ترك يصير ماء ففيه أيضا أنه ليس بمعلوم أنه متى يصير كذلك مع أنه لا شك أنه يجوز أكل السمك بعد خروجه من الماء بلا فصل ميتا وحيا مطبوخا ونيا إلا أن يقال بأنه إذا خرج منه دم يحكم بنجاسة وإذا لم يخرج ولم يظهر فهو طاهر وإن كان في اللحم وكونه تحكما لا يبعد دفعه بأن الاحكام تابعة للأسماء فبعد الخروج لما يصدق عليه الدم فيكون داخلا تحت الحكم بالنجاسة وأما قبله فلا صدق فلا حكم فلا تحكم فتأمل وأما دليله الاخر فضعفه ظاهر وما أورد على حجتهم الأولى فيرد عليه إن وجوب التقييد بالمسفوح بناء على الآية الأخرى إنما يتم إذا ثبت أنها تقدمت عليها وأما إذا تأخرت فلا ولم يثبت فتأمل فيه وأيضا فيه كلام آخر سيجئ وتقيد الميتة لدليل لا يوجب التقييد في الدم وهو ظاهر ممنوع لا يخفى ما في قوله ولأنه ليس من ألفاظ العموم إلى أداء الحمل على المسفوح توفيقا بين الأدلة لا يبتني على كونه مطلقا لا من لفظ العموم إذ لو كان من ألفاظ العموم أيضا لكان الامر كذلك بعد ما يثبت المنافاة وبالجملة العمدة في إثبات الحكم الأصل وعدم دليل ظاهر مخرج عنه لما عرفت من عدم طهور الروايات في العموم بحيث يشمل دم الميتة والسمك وكذا الآية ولو فرض تأخيرها عن الآية الأخرى مع انضمامه بدعوى الاجماع من الأصحاب على ما نقلنا من الخلاف والمعتبر والمنتهى وقد يؤيد أيضا بما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب عن السكوني عن جعفر عن أبيه أن عليا (عليه السلام) كان لا يرى بأسا بدم ما لا يزك ويكون في الثوب يصلي فيه الرجل يعنى دم السمك وهذا الخبر في الكافي أيضا في باب الثوب يصيبه الدم وفيه عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن عليا صلوات الله عليه وآله كان الحديث وهذه الرواية مع ضعف سندها لا ظهور لها في الطهارة لجواز أن يكون نفي البأس باعتبار العفو ثم إن صاحب المعالم بعدما نقل دليلي العلامة من الآيتين قال والاستدلال بالآية الأولى محل تأمل وكأنه الذي أشرنا إليه ثم قال وأما الثانية ففي الاحتجاج بها قوة لظهور دلالتها على مثله واقتضاء التحليل الطهارة إلا أن التمسك بذلك يستدعي القول بحل دم السمك وظاهر كلام كثير من الأصحاب خلافه بل لا أعلم تصريحا بتحليله إلا في هذه العبارة أي عبارة المنتهى وفي نهايته ما يقرب منها ثم نقل من ابن زهرة والشهيد الثاني والقواعد ما يدل على عدم حلية ثم قال وبالجملة فعباراتهم ظاهرة في تخصيص التحليل بدم الذبيحة وتعميم التحريم في غير من الدماء ووقع التصريح بذلك أيضا في كلام بعضهم والتنصيص على تحريم دم السمك بالخصوص وليس لهم عليه حجة غير الاستحباب وهو موضع نظر وإذا لم يثبت تحريمه تكون الآية دليلا قويا على طهارته انتهى وقد عرفت الحال في تحريم دمه وكذا قوة دلالة الآية على طهارته وقد استدل أيضا في المختلف بأن أكل الدم المتخلف في عروق الحيوان المأكول اللحم سائغ وهو طاهر لا يجب غسل اللحم منه إجماعا لانتفاء المقتضي للتنجيس وهو السفح فيكون في السمك كذلك لوجود العلة وضعفه ظاهر لان كون العلة ذلك غير مسلم وبعد التسليم يجوز أن يكون العلة ذلك منضما إلى خصوصية غير السمك والحاصل إنه من باب القياس الغير المعمول به عندنا هذا وأما غير السمك كالبق والبراغيث والذباب ونحوه فقد
(٣٠٥)