إن الله حرم الميتة من كل شئ وجه الاستدلال إن الظاهر أن قوله (عليه السلام) إن الله حرم الميتة من كل شئ علقه لما ذكره من الاستخفاف بالدين وحينئذ لا بد من حمل الحرمة على النجاسة أو ما يستلزمها ليصح التعليل وإلا فالحرمة بمجردها لا يوجب عدم أكل الزيت الذي مات فيه الفارة وإنما يوجب طرح الفارة وعدم الاكل منها والقول بأن عدم الاكل منه لعله لأجل إن أجزاء الفارة تخالطه وحينئذ التعليل بالحرمة مستقيم لأنه إذا كان الميتة حراما وكان يحتمل أن يكون أجزاؤه فاشية في الزيت فيجب أن لا يؤكل من الزيت من باب المقدمة فمع بعده إذ ليس كلما مات الفارة في الزيت نفش أجزاؤها فيه بل إنما يكون ذلك عند التفسخ فالحكم مطلقا بعدم الاكل منه من غير استفصال غير ملايم وأيضا لو كان العلة فشو أجزاء الفارة فيه لما احتيج إلى التعليل بحرمة الميتة لان أجزاء الفارة حرام سواء كانت حية أو ميتة ويؤيد حمل الحرمة على ما ذكرنا ما رواه التهذيب أيضا في باب الذبايح والأطعمة والكافي في باب ما يقطع من أليات الظأن عن الحسن بن علي قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت جعلت فداك إن أهل الجبل يثقل عندهم ليات الغنم فيقطعون لياتها فقال حرام هي قلت جعلت فداك فيصطبح بها فقال ألم تعلم إنه يصيب اليد والثوب وهو حرام إذ الظاهر أن الحرام ها هنا بمعنى النجس فظهر إنهم (عليهم السلام) قد يستعملون الحرام كذلك ومنها ما رواه التهذيب في آخر باب تطهير الثياب في الموثق عن عمار الساباطي في حديث طويل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن الكوز إلى أن قال وقال اغسل الاناء الذي يصيب فيه الجرد ميتا سبع مرات ومنها موثقة عمار ورواية حفص ومرفوعة محمد بن يحيى في بحث سؤر الوزغة الدالة على فساد الماء بوقوع ماله نفس سائلة هذا ما وجدنا من الأخبار الواردة في هذا الباب وأنت خبير بأن بعد ورود تلك الروايات الكثيرة مع صحة بعضها وتعليق الحكم في كثير منها على مطلق الميتة والجيفة وفي بعضها على مطلق الدابة الظاهر بقرينة المقام إن المراد منها ما يدب على الأرض لا ذات القوائم الأربع من دون تخصيص وتقييد في موضع من المواضع بشئ التوقف في عموم الحكم مما لا وجه له سيما على رأي المحقق وصاحب المعالم من أن المفرد المحلى باللام يفيد العموم في كلام الحكيم إذا لم يكن عهد وليس في الميتة أيضا أفراد متعارفة وغير متعارفة حتى يحمل على الافراد المتعارفة ومع ذلك كان في بعض الروايات أداة العموم أيضا كرواية جابر وبالجملة لا يقصر في نظري إفادة تلك الروايات المتكثرة للعموم من إفادة ما فيه أداة العموم له أصلا وكذا يبعد النزاع في أن من الروايات لا يستنبط النجاسة إذ استنباط النجاسة في ساير ما يستنبط ليس بأزيد من ذلك كيف وإذا ورد الحكم بعدم شرب ماء غيرته الجيفة وعدم التوضؤ منه وإراقة ما وقع فيه الفارة مثلا وعدم الاكل منه وغسل الثوب وغيره مما لاقى الميتة وعدم الاكل فيما أكل فيه الميتة فما معنى النجاسة المرادة سوى ذلك ولو نوزع في دلالة الأمر والنهي على الوجوب والحرمة فهذا أيضا نزاع سهل إذ بعد ورود الأوامر والنواهي الكثيرة بشئ وعن شئ في مواضع متعدد ومسائل متكثرة من دون وقوع رخصة في الترك أو الفعل في موضع ومسألة يحصل الظن القوي بأن المراد الوجوب والحرمة سيما إذا لم يظهر بين الأصحاب خلاف فيه فإن قلت فقد رجعت أيضا أخرا إلى التمسك بالاجماع قلت ليس كذلك فإن ما ذكرنا من باب العلاوة وأيضا لا يلزمنا مؤنة دعوى الاجماع وإثباته مع ما فيه من الاشكالات والايرادات بل يكفينا في هذا المقام ادعاء الشهرة وعدم ظهور خلاف بين الأصحاب وظاهر إن هذا الامر ظاهر لا إشكال في إثباته ولا ندعي حجية مثل هذه الشهرة حتى يمنع بل ندعي إن مثل هذه الشهرة قرينة طاهرة على أن الأوامر والنواهي على الوجوب والحرمة والحاصل إن الحكم في غاية الظهور سيما مع انضمام الاجماع الذي ادعاه الأصحاب ثم لا يخفى أن الشيخ في الخلاف لم يقل بنجاسة ميتة الحيوان المائي فدعوى الاجماع منهم أما بناء على عدم اعتدادهم بخلاف الشيخ من حيث معلومية النسب على ما هو رأيهم أو باعتبار أنهم يدعون تحقق الاجماع قبله أو بعده أو أطلقوا القول اعتمادا على ظهور الخلاف في الحيوان المائي فيعلم بالقرينة أن مرادهم الاجماع في غير الحيوان المائي وسنتكلم إنشاء الله تعالى في هذا الخلاف هذا وأما ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب والاستبصار في باب الثوب يصيب جسد الميت في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل يصح له الصلاة فيه قبل أن يغسله قال ليس عليه غسله وليصل فيه ولا بأس فيحمل على حال يبوسة الثوب والحمار وهو حمل طاهر من دون تكلف وأيضا الغالب وقوع الملاقاة مع الشعر وهو ليس بنجس وحمله الشيخ في التهذيب والاستبصار على أنه إذا أتى على ذلك سنة فصار عظما فإنه لا يجب غسل الثوب منه وأيده بما رواه فيهما عن إسماعيل الجعفي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن مس عظم الميت قال إذا جاز سنه فلا بأس به وأنت خبير يبعد هذا الحمل ولعل الباعث له على ارتكاب مثل ذلك التأويل البعيد إنه يقول بسراية نجاسة الميت رطبا ويابسا وسيجئ الكلام فيه إنشاء الله تعالى وما رواه أيضا الكتابان متصلا بما ذكر في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل وقع ثوبه على كل ميت قال ينضحه و يصلي فيه ولا بأس فهو أيضا يحمل على حال اليبوسة إن لم نقل بأن النضح مطهرا أيضا وإلا فلا حاجة إليه لأنه حينئذ لا منافاة بين ما في هذا الخبر وما دل على نجاسة الميتة والشيخ (ره) في الاستبصار ارتكب تكلفا بعيدا حيث أراد جمع هذا الخبر مع حسنة الحلبي المنقولة آنفا الحاكمة بغسل ما أصاب الثوب جسد الميت فقال إن حسنة الحلبي مخصوصة بميت الانسان ويجب الغسل فيه لما أصابه وأما الكلب فحكمه حيا وميتا سواء في نضح الماء على الثوب الذي أصابه إذا كان جافا وجه التكلف بعد تخصيص الميت في حسنة الحلبي بالانسان من دون قرينة اللهم إلا التعارف أنه لا يخلوا اما أن يقيد الحكم في الحسنة بالرطوبة أو يعمها واليبوسة أيضا وعلى الثاني
(٣١١)