وجدنا من الروايات المتعلقة بهذا البحث وأما حجة القول بالنجاسة فأما أولا فإنها غير مأكولة بالعادة فدخلت تحت حكم ما لا يؤكل لحمه وفيه ضعف لان ما لا يؤكل لحمه ظاهره أنه لا يؤكل لحمه لا ما لا يعتاد أكله تنزلنا عن الظهور فلا أقل من عدم الظهور في خلافه فكيف يمكن الاستدلال إلا أن يقال الاطلاقات الواردة في البول تدل ظاهرا على العموم وما يصلح مخصصا لها حسنتا زرارة وابن سنان المنقولتان في البحث المذكور الدالة أحديهما منطوقا والأخرى مفهوما على التخصيص وموثقه عمار المتقدمة أيضا لان باقي الروايات من الضعف بحال وفي هذه الثلاثة علق الحكم بأكل اللحم نفيا وإثباتا وعلى تقدير تساوي الحملين المذكورين لا يثبت التخصيص في الثلاثة فبقي حكم النجاسة فيها على عمومها لكن للمناقشة في العموم مجال كما مر غير مرة وعلى تسليمه أيضا نقول إذا وردت مخصصات لم يتيقن المراد منها فلا نسلم إن في الافراد المشكوكة يجب الحكم بالعام لم لا يحكم بأصل البراءة وغيرها ووجوب تحصيل اليقين ببراءة الذمة من التكليف اليقيني قد مر القول فيه غير مرة وأما ثانيا فالروايات فمنها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله المنقولة في البحث المذكور ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب في الصحيح عن الحلبي قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أبوال الخيل والبغال فقال اغسل ما أصابك منه وحكم الحمار أيضا يعلم منه بعدم القول بالفصل وهذا الخبر في الاستبصار أيضا في باب أبوال الدواب ومنها ما رواه التهذيب في البابين المذكورين في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس بروث الحمير واغسل أبوالها وفيه إنه دليل على النجاسة لا لها لأنه نفى البأس عن روث الحمير صريحا الدال على طهارته فيكون بوله أيضا كذلك لعدم القول بالفصل ويكون الامر الوارد بالغسل محمولا على الاستحباب والتنزه مع أن ورود الامر بالاستحبابي في أحاديث أئمتنا (عليهم السلام) شايع ذايع من دون حاجة له إلى قرينة ومنها حسنة محمد بن مسلم المنقولة في الحكم الأول ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب من الزيادات والاستبصار في باب أبوال الدواب في الموثق عن سماعة قال سئلته عن بول السنور والكلب والحمار والفرس فقال كأبوال الانسان وأجاب الشيخ في الاستبصار بجواز حمله على أن بول السنور والكلب كأبوال الانسان ولا يخفى بعده وبجواز حمله على التقية وهو قريب لان كثيرا من عظماء العامة قالوا بنجاسة بول ما يؤكل لحمه مطلقا ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب والاستبصار والكافي في باب أبوال الدواب عن أبي مريم قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في أبوال الدواب وأرواثها قال أما أبوالها فاغسل ما أصابك وأما أرواثها فهي أكثر من ذلك قال في المعتبر يعنى أن كثرتها يمنع التكليف بإزالتها وعلى هذا يرد عليه أيضا إنه دليل للقول المخالف بتقريب ما تقدم من أن طهارة الروث يستلزم طهارة البول لعدم القول بالفصل فيكون الامر محمولا على الاستحباب إلا أن يقال يحتمل أن يكون معناه إن الروث أكثر من البول في اقتضاء الغسل وفي بعض النسخ بالباء الموحدة وحينئذ حمله على هذا المعنى أظهر لكن مجرد الاحتمال لا يكفي في الاستدلال لجواز أن يكون المراد المعنى الأول فينقلب الحال إلا أن يقال الأصل في الامر الوجوب فينبغي أن يبقى على أصله حتى يظهر مخرج والمخرج غير معلوم حينئذ لجواز الحمل على المعنى الثاني وإذا بقي الامر على أصله فيثبت الحكم في البول ويتعدى إلى الروث أيضا باعتبار عدم القول بالفصل بل يقال لما وجب إبقاء الامر على الوجوب فيلزم حمل الخبر على المعنى الثاني وإلا يلزم خروجه عنه وبعبارة أخرى يجب الحمل على المعنى الثاني وإلا يلزم حمل لفظ الامر على خلاف حقيقته وهو خلاف الأصل لكن أنت خبير بما في أصالة وجوب الامر وأصالة كون الاطلاق حقيقة وعلى تسليمهما أيضا لا نسلم إن مع قيام مثل ذلك الاحتمال القريب في الخبر تبقى حجيته بحالها بل لا يبعد الرجوع إلى أصل البراءة والطهارة ومنها ما رواه التهذيب والاستبصار في البابين المذكورين عن عبد الأعلى بن أعين قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أبوال الحمير والبغال فقال اغسل ثوبك قال قلت فأرواثها قال هو أكثر من ذلك والكلام فيه أيضا كالكلام في سابقه ومنها رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (عليه السلام) المنقولة في بحث عروض التحريم عن زيادات التهذيب ومنها ما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث والاستبصار في باب مقدار الماء الذي لا ينجسه شئ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن الماء النقيع تبول فيه الدواب فقال إن تغير الماء فلا تتوضأ منه وإن لم تغيره أبوالها فتوضأ منه وكذلك الدم إذا سال في الماء وأشباهه هذا جملة ما وجدنا من الروايات في هذا الباب وقد تكلمنا على بعضها وبعضها ضعيف السند مما لم نصفه بالصحة والحسن والتوثيق فلا يصلح للاحتجاج إلا أن يجعل مؤيدا وإذ قد أطلعت على الاخبار من الطرفين وبعض ما فيها فلا بأس أن نتصدى لتتميم الكلام وترجيح ما هو الراجح من القولين على حسب ممشى القوم وطريقتهم فنقول قد حمل الشيخ (ره) في التهذيب و الاستبصار هذه الأخبار المتضمنة للامر بالغسل من بول هذه الثلاثة وروثها على ضرب من الاستحباب والتنزه وكراهة الأبوال والأرواث قال في الاستبصار والذي يدل على ذلك ما أوردناه من أن ما يؤكل لحمه لا بأس ببوله وروثه وإذا كانت هذه الأشياء غير محرمة اللحوم لم يكن أبوالها وأرواثها محرمة واستدل أيضا على ذلك الحمل برواية زرارة المنقولة آنفا المتضمنة لحديث الكراهة ثم قال فجاء هذا الخبر مفسرا لهذه الأخبار كلها ومصرحا بكراهة ما تضمنه ويجوز أن يكون الوجه في هذه الأحاديث أيضا ضربا من التقية لأنها موافقة لمذهب بعض العامة انتهى وقد عرفت المناقشة في ظهور الكراهة في المعنى المصطلح وقد أيد صاحب المعالم أيضا الحمل على الاستحباب بما في حسنة محمد بن مسلم المنقولة من الامر بالنضح مع الشك وهو للاستحباب باعتراف الخصم مع أنه وقع في الحديث مجردا عن القرينة الدالة على ذلك فلا بعد في كون الأوامر الواقعة في ضمنه مثله بل المستبعد من الحكم سوق الكلام على نمط يعطي الاتفاق في الحكم والحال على الاختلاف
(٣٠٠)