نجسا لكان حراما فكان منافيه للحصر فمفاد الآية إن الدم الغير المسفوح طاهر فلو كان في الروايات إن الدم مطلقا أو عاما نجس لوجب تقييدها أو تخصيصها بالآية لأنهما حينئذ من قبيل المطلق والمقيد والعام والخاص المتنافيين وهو ظاهر وفيه إنه كلام ظاهري وعند التحقيق ليس إلا كذلك لان آية قل لا أجد فيه أمران أحدهما الحكم العام بعدم وجدان حرمة شئ والثاني استثناء الدم المسفوح منه فالمنافاة بين هذه الآية وبين آية حرمت عليكم والروايات الواردة بنجاسة الدم وحرمته أما باعتبار الجزء الأول أو باعتبار الجزء الثاني فإن كان باعتبار الجزء الأول فحينئذ ينعكس الامر لان هذا الجزء عام والآية الأخرى والروايات خاصة لان حاصله إنه لا شئ بمحرم وحاصل الآية والروايات إن الدم حرام فيجب تخصيصه بهما وإن كان باعتبار الجزء الثاني فلا منافاة إذ حاصل الجزء الثاني إن الدم المسفوح حرام وهذا لا ينافي حرمة الدم مطلقا حتى يجب التقييد فلن قلت المنافاة باعتبار مفهوم الجزء الثاني لا منطوقه لأنه مفهومه إن الدم غير المسفوح ليس بحرام وهو ينافي تحريم الدم مطلقا فيجب أن يقيد المطلق بالمسفوح قلت قد عرفت إن المفهوم على تقدير حجيته لا عموم له وحينئذ فغاية الامر أن يستفاد من قوله تعالى أو دما مسفوحا إن الدم الغير المسفوح ليس بمستثن من الحكم بالحل في الجملة كما أن المسفوح مستثن منه بالكلية وذلك لا يوجب طهارة جميع الدماء الغير المسفوحة بل شئ منها وذلك متحقق في ضمن الدم المتخلف في الذبيحة ودم ما لا نفس له فلا يلزم إذن تقييد الدم الواقع في الآية والروايات بالمسفوح وإخراج غير المسفوح منه مطلقا إلا أن يتمسك بأنه قد ثبت من حيث دلالة المفهوم إن الآية والروايات مخصصة مجملا والعام إذا علم تخصيصه مجملا لا يبقى حجية في شئ أصلا إذ يحتمل في كل فرد إنه المخصص ولا يبعد أن يقال إذا ثبت تخصيص فرد معين من خارج كتخصيص الدم المتخلف في ما نحن فيه فالظاهر حينئذ حمل التخصيص المعلوم إجمالا عليه وقصره فيه لان التخصيص خلاف الأصل والظاهر فيقتصر على قدر الضرورة هذا ولا يخفى إنه لا يمكن حمل كلام صاحب المعالم على ما ذكرنا لأنه سيصرح بعد هذا بقليل إن قوله تعالى دما مسفوحا يدل على حل غير المسفوح مطلقا يخرج عنه ما وقع الاتفاق على تحريمه فيبقى الباقي وسننقل كلامه هذا في مسألة نجاسة العلقة (ثم يمكن أن يقال إن هذه الآية بعد ملاحظة الاستثناء يصير أعم من وجه من الآية الأخرى والروايات فتخصيصها بها ليس أولى من العكس بل الامر بالعكس لأنها الموافقة للأصل) وأما ثالثا ففي قوله وأما ثانيا فلانه احتج انتهى وجهه ما عرفت آنفا إن العلامة (ره) لا يدعي انحصار النجس في المسفوح إلا من جهة انحصار المحرم فيه وعلى هذا لا بد في الاستدلال على طهارة دم السمك مما أخذه من الحلية كما لا يخفى هذا وقد بقي في المقام بيان حكم المتخلف بعد الذبح وهو قسمان لأنه أما في مأكول اللحم أو في غيره أما الأول فالظاهر طهارته سواء بقي في العروق أو في البطن أو غيرهما سوى ما يكون في العضوي الذي ليس بمحلل كالطحال مثلا أما أولا فلقوله تعالى أو دما مسفوحا وقد عرفت ما في التمسك به وأما ثانيا فللأصل براءة وطهارة عقلا ونقلا وفيه أيضا إن بعد ورود الروايات بنجاسة الدم من غير تقييد فلا يبقى التمسك بالأصل بحال إذ ليس هذا الدم من الدماء الغير المتعارفة حتى يمنع شمول الروايات له وأما ثالثا وهو المعتمد فلاجماع الأصحاب ظاهرا إذ لم يعرف فيه خلاف مع إنا نعلم ضرورة حلية اللحم وإن في زمان النبي صلى الله عليه وآله وفي زمان الأئمة عليهم السلام كان يتعارف أكله ولا شك أنه لا ينفك من دم البتة ولو سلم إن الدم يجوز أن يكون طاهرا أو حلالا ما لم يظهر للحس لكن بعد ظهوره يكون نجسا ومحرما فنقول لا شك إن اللحم في طبخه يظهر منه الدم البتة فلو كان نجسا لما أمكن أكل اللحم أصلا وهو خلاف الضرورة من الدين ولو قيل إنه يجوز أن يكون عفوا فإن كان المراد العفو المطلق فهو عبارة أخرى للطهارة على ما ذكرنا سابقا وإن أريد العفو في الاكل فقط فالحرج وكونه خلاف الضرورة أيضا باق بحاله إذ يعلم ضرورة أنهم بعد أكل اللحم لا يتحرزون عنه ولا يغسلون أيديهم وأفواههم وجميع ما يلاقيه من القدر والأواني ونحوها فإن قلت ما حال ما يكون في العضو الذي ليس بمحلل في الحلية والطهارة قلت أما الحلية فلعل الظاهر عدمها لأنه إذا حكم على الطحار مثلا بأنه حرام فالظاهر أن دمه أيضا كذلك مع أنه علل في بعض الروايات حرمة الطحال بكونه دما وكأنه لا خلاف فيه أيضا ظاهرا مع تأييده بإطلاق الآية الدالة على حرمة الدم والروايات الدالة على حرمته ونجاسته والاحتياط وأما الطهارة فالحكم بعدمها مشكل لعدم ظهور شمول الروايات له بحيث لا يكون فيه للمنع مجال مع أن الأصل الطهارة ومذهب الأصحاب أيضا غير ظاهر فلو لم يثبت إجماع على نجاسته لم يبعد القول بالطهارة لكن لا شك إن الاحتياط في التجنب عنه غالبا إلا على فرض نادر على ما مر نظيره مرارا ثم لا يخفى إن طهارة المتخلف إنما هو بعد الذبح الشرعي إذ لو لم يكن ذبحا شرعيا فيصير ميتة ويكون جميع أجزائه نجسا إلا ما استثنوه من الميتة ويجب أيضا أن لا يعلم دخول شئ من الدم المسفوح في غير المسفوح وإلا فيكون نجسا أيضا واشترطوا أيضا أن يكون بعد القذف المعتاد فلو تخلف لعارض كجذب الحيوان له بنفسه ولذبحه في أرض منحدرة ورأسه أعلى فإن ما في البطن حينئذ نجس هكذا قال الشهيد الثاني في روض الجنان والاشتراط المذكور كما قاله وغيره أيضا مما لا بأس به لكن لا ندري وجه التخصيص بالبطن في قوله فإن ما في البطن حينئذ نجس إذ الظاهر أنه لا فرق بين ما في البطن وما في العروق وغيرهما وكأنه من باب المثال وأما الثاني أي ما يتخلف بعد الذبح في غير مأكول اللحم مما يقبل التذكية إذ ما لا يقبلها يكون نجسا فالظاهر حرمته ونجاسته أما الحرمة فلان ما يدل على تحريم الحيوان الذي هو دمه يدل على حرمته أيضا إذ الحيوان اسم للمجموع ولا ظهور له في خصوص اللحم ولا يرد النقض بالطهارة بأن يقال الامر الدال على طهارة الحيوان يلزم أن يكون دالا على طهارة جميع أجزائه مع أنه ليس كذلك لان خروج بعض الاجزاء بدليل من خارج لا ينافي شمول الحكم ظاهرا لجميع الاجزاء وهو ظاهر مع أن الظاهر إطباق الأصحاب أيضا عليه حيث حصروا الدم الطاهر من ذي النفس فيما يبقى
(٣٠٨)