من كلامه أنه بنى الحجة على مقدمتين مطويتين أحديهما إن المراد من الرجس في الآية النجس والثانية إن الاطلاق الواقع في الاخبار محمول على التقييد بالمسفوح في الآية ولهذا البناء في كلامه شاهد وهو أنه ذكر في أثر هذا الحكم دم ما لا نفس له وأنه طاهر وأشار إلى الخلاف الواقع فيه من أهل الخلاف ثم قال لنا قوله تعالى أو دما مسفوحا وهذا ليس بمسفوح فلا يكون نجسا ولا يخفى وجه دلالة هذا الكلام على ما قلناه فإنه لولا تخيل كون الأخبار المطلقة في الامر بإزالة الدم محمولة على المقيد في الآية لم يتم هذا الاحتجاج لجواز التمسك بإطلاقها في عدم التفرقة بين المسفوح وغيره لا سيما وفي الروايات التي نقلها ما هو من طريق الجمهور فللخصم أن يتشبث به فيما ذهب إليه فإقامة الحجة عليه لا يتم إلا بملاحظة ما ذكرناه من حمل المطلق في الاخبار على المقيد في الآية وقد اتضح وجه إيهام العبارة القول بطهارة الدماء المذكورة فإن حصر النجس في المسفوح يقتضي طهارة ما سواء لكن الكلام منظور فيه أما أولا فلان المقدمتين اللتين بنى الاحتجاج عليهما ضعيفتان أما الأولى فلان إرادة النجس من الرجس غير ثابتة إذ لم يعده أهل اللغة من معانيه فضلا عن أن يقولوا إنه معناه وقد ذكر داله معا في كثيرة منها القدر ولا يخفى أنه أعم من النجس وباقي المعاني لا دلالة لها عليه وأما الثانية فلان حمل المطلق على المقيد إنما هو مع تحقق التنافي بينهما ولا تنافي هنا إذ الحكم على المسفوح بالنجاسة لا ينافي نجاسة غيره معه وأما ثانيا فلانه احتج بعد هذا بقليل لطهارة دم السمك بقوله تعالى أو دما مسفوحا وقربه بأن دم السمك ليس بمسفوح فلا يكون محرما فلا يكون نجسا وقد حكينا هذا فيه عنه آنفا وأنت تعلم إنه بعد ثبوت انحصار النجس في المسفوح ليس بمحتاج إلى إثبات الحل ها هنا وجعله وسيلة إلى إثبات الطهارة فربما كان في ذلك إشعار بعدم ثبوت التقييد كما هو التحقيق إذا تقرر هذا فاعلم إن الباعث للعلامة فيما يظهر على اعتبار التقييد بالمسفوح في العبارات التي اتفق له إدراج القيد فيها إنما هو الاحتراز عن الدم المختلف في الذبيحة حيث إنه طاهر باتفاق الكل فلا يستقيم الحكم بنجاسة دم ذي النفس على الاطلاق وليس في قصده إخراج شئ من أصناف دم ذي النفس غير ما ذكره يشهد بذلك تتبع كلامه وقد أخذ هذا القيد في عبارة النهاية ثم فصل بعده أنواع الدم وذكر حكمها في النجاسة والطهارة ولم يزد في عداد الطاهر على ما عليه الأصحاب وقال عند ذكر الدم المختلف في الذبيحة إنه طاهر لعدم كونه مسفوحا وفي هذا الكلام قرينة واضحه على ما قلناه حيث تعرض للتفصيل واقتصر في بيان محل انتفاء الحكم لعدم الوصف على المتخلف في الذبيحة وبالجملة فعدم التزام العلامة بما يقتضيه ظاهر التقييد الذي تفرد به أظهر من أن يخفى وقد بان لك أن ترك القيد كما فعل الأكثر هو الأنسب فإن الاشكال الحاصل فيه باعتبار عدم استقامة الحكم بنجاسة الدم من ذي النفس على العموم نظرا إلى دم الذبيحة يندفع بتصريحهم باستثنائه فيما بعد وإن اتفق في بعضها بعد العهد وأما الاشكال الوارد على التقييد بإبهام ما قد ذكره فيحتاج في دفعه إلى فضل تدبر والأصوب تفصيل المقام وترك التعبير بما يتطرق إليه الاشكال والايهام انتهى كلامه وفيه مواضع من النظر أما أولا ففي قوله فإنه لولا تخيل كون الاخبار إلخ وجهه إن العلامة ها هنا في مقام بيان الأدلة على ما اختاره من غير نظر إلى معارضاتها ولا شك إن الآية مما يصلح للاستدلال عليه ولا حاجة فيه إلى تقييد الدم الوارد في الروايات بالمسفوح فلا يكون بناء الاستدلال عليه كما ذكره ثم لو عورض بالروايات فلعله يدفعها بأمر آخر غير التقييد بالمسفوح بل بدم ما له نفس سائلة معللا بلزوم الحرج والعسر لو عمم بالنسبة إلى غير ذي النفس على ما تمسك به في دليله الاخر كما نقلنا أو بأن دم ما لا نفس له ليس من الافراد المتعارفة للدم فشمول الروايات له غير ظاهر على ما زعمه صاحب المعالم أيضا وبالجملة لا يلزم أن يكون بناء كلامه على تقييد الدم الواقع في الروايات بالمسفوح وبهذا اتضح إن ما ذكره من أنه قد اتضح بهذا وجه إبهام العبارة انتهى غير متضح فإن قلت إذا لم يترك العلامة المسفوح الواقع في الآية بحاله فكيف يصح استدلاله به على الخصم قلت خروج بعض الدماء من الحصر المذكور في الآية بدليل من خارج لا يوجد ذلك الدليل في محل النزاع لا يضر الاستدلال بالحصر إذ حاصله إن الآية تدل على طهارة غير المسفوح مطلقا إلا ما أخرجه الدليل فبقي الباقي الذي هو محل النزاع وما أخرجه الدليل مثل الدم الغير المسفوح مما له نفس سوى المتخلف في الذبيحة والدليل أما الاجماع ظاهرا وإطلاق الدم أو عمومه الواقع في الروايات وعدم جريان الدليل في المتنازع فيه أي دم ما لا نفس له أما الاجماع فظاهر وأما الاخر فلمنع ظهور شموله لذلك الفرد الغير المتعارف بناء على عدم تعارفه أو للزوم الحرج فيه والبناء على الأول أولى إذ لو بنى على الثاني يصير بالحقيقة الاستدلال بالآية مستدركا إذ يرجع الامر آخرا إلى الاستدلال بلزوم الحرج كما استدل به على حدة ومع ذلك أنت خبير بأن دأبهم سيما العلامة (ره) أنهم يستدلون كثيرا على مطالبهم بما يصلح للاستدلال بادي الرأي وإن كان بعد التفتيش وملاحظة المعارضات لا تبقى الصلاحية بحالها لكن مع وجود دليل آخر كما فيما نحن فيه يظهر ذلك عند تتبع كلماتهم وحينئذ يجوز أن يكون العلامة (ره) استدلاله بالآية هنا من هذا القبيل والله أعلم والأولى أن يتمسك في أن العلامة (ره) قايل بتقييد الدم الواقع في الآية وحينئذ الروايات المسفوح بما نقلنا عن المنتهى في جواب حجة القائلين بنجاسة دم السمك حيث صرح بأن الدم في الآية مقيد بالمسفوح باعتبار الآية الأخرى وأما ثانيا ففي قوله وأما الثانية فلان حمل المطلق إلى آخره وجهة إن حمله المطلق على المقيد ها هنا لو كان فلا يكون لأجل إنه تعالى حكم بالرجس بمعنى النجس على الدم المسفوح فيجب أن يحمل الدم المحكوم بنجاسة في الروايات أيضا على المسفوح لوجوب حمل المطلق على المقيد حتى يرد ما ذكره بل لأجل إن الآية باعتبار حصر الحرمة في الدم المسفوح يدل ظاهرا على أن الدم الغير المسفوح طاهر إذ لو كان
(٣٠٧)