استدل العلامة في المنتهى على طهارته بعد ما ذكر إنه مذهب علمائنا على ما نقلنا عنه بقوله تعالى أو دما مسفوحا وهذا ليس بمسفوح فلا يكون نجسا وبقوله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج وهو حرج وبأنه ليس بأكثر من الميتة وميتة طاهرة وبأنه ليس بمسفوح فلا يكون نجسا كالدم في العروق بعد الذكاة وأيده بالروايات التي سننقلها ثم قال ويلحق بذلك الدم المتخلف في اللحم المذكى إذا لم يقذفه الحيوان لأنه ليس بمسفوح وقد علمت الكلام على دليله الأول وأما دليله الثاني فلا يخلو عن قوة في بعض الافراد كالبق والبراغيث ونحوهما مما لا ينفك الانسان عن مخالطته وأما الثالث فقياس وأما الرابع فلعل الفرق بينه وبين الأول بأن الأول تمسك بالآية والثاني تمسك بقياسه بالدم المتخلف بعد الذبح والجامع هو عدم السفح وفيه مع كونه قياسا لا نعمل به إنه لا يناسب الاستدلال بهذا النحو قوله آخر أو يلحق بذلك إلخ إذ بعد ما جعله أصلا ثابتا حكمه حتى يقاس عليه ما نحن فيه لا يناسب جعله من الملحقات به وهو ظاهر والعمدة في الحكم أيضا على قياس ما مر الأصل وعدم دليل مخرج وادعائهم الاجماع على ما نقلنا من الخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة وادعى المصنف (ره) أيضا في الذكرى مع تأييد لزوم الحرج في بعض المواد فإن قلت لزوم الجرح إنما هو على تقدير وجوب إزالته وأما إذا كان عفوا كما ذهب إليه القايل بنجاسته فلا قلت إن قيل بالعفو عنه مطلقا يعني في الصلاة وغيرها حتى لو فرض إن اليد لاقته برطوبة يجوز أن يستعمل في الاكل ونحوه مما يشترط فيه الطهارة من غير غسل إلى غير ذلك فهو الطهارة التي أردناها إذ ليس حاصل الطهارة سوى ذلك والنزاع في اللفظ وإن قيل بمجرد جواز الصلاة معه فالحرج باق بحاله كما لا يخفى وأيد أيضا بما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب في الصحيح على ما نص عليه العلامة في المنتهى عن عبد الله بن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في دم البراغيث قال ليس به بأس قال قلت إنه يكثر ويتفاحش قال وإن كثر وبما رواه أيضا في الباب المذكور في الموثق ظاهرا عن غياث عن جعفر عن أبيه قال لا بأس بدم البراغيث والبق و بول الخشاشيف وبما رواه أيضا في الباب المذكور عن محمد بن الريان قال كتبت إلى الرجل هل يجري دم البق عليه مجرى دم البراغيث وهل يجوز لاحد أن يقيس بدم البق على البراغيث فيصلي فيه وأن يقيس على نحو هذا فيعمل به فوقع (عليه السلام) يجوز الصلاة والطهر منه أفضل وبرواية الحلبي المتقدمة آنفا في طي معارضات نجاسة الدم والحكم بالتأييد على الروايات باعتبار عدم ظهورها في الطهارة لجواز أن يراد بها العفو وأنت خبير بأنه لو ادعى الظهور أيضا في الطهارة لما كان في غير محله لان نفي البأس إنما يكون مع جميع أفراده وهو إنما يكون مع الطهارة وأما المقام الثالث فتقول لا شك أنه لا يفرق أحد بين أفراد ذا النفس السائلة في الحكم بنجاسة دمه آدميا وغيره سوى ما وقع من الخلاف دم الرسول صلى الله عليه وآله وهذا الخلاف مما لا ثمرة له الان والكلام ها هنا في أقسام دم ما له نفس سائلة فاعلم إن الظاهر من كلام الأصحاب إن دم ذي النفس مطلقا نجس سوى ما استثنوه من المتخلف بعد الذبح أي سواء كان يخرج من العرق بقوة وانصباب أو لا وسواء كان فيه كثرة أو لا كأثر الشوكة والخدشة ونحوهما لأنهم يعبرون عن الحكم بأن دم ما له نفس سائلة نجس ولا يقيدون بشئ ولا يخصصون بأمر كما نقلنا من عبارة المعتبر والتذكرة و قال المصنف (ره) في الذكرى عند تعداد النجاسات المني والدم من كل ذي نفس سائلة وقال المحقق في المعتبر معللا على نجاسة العلقة لأنها دم حيوان له نفس إلى غير ذلك من عبارات الأصحاب التي يفضي إحصاؤها إلى التطويل وما وقع في المنتهى من التقييد بالمسفوح في العبارة التي نقلنا عنه أول البحث فكأنه أراد به مقابل المتخلف بعد الذبح لأنه أراد به إخراج ما عدى المسفوح مطلقا وكذا في بعض الكتب الأخرى من العلامة ومع قطع النظر عن كلام الأصحاب أيضا يقول ينبغي أن يكون الامر كذلك بالنظر إلى مأخذ الحكم لان الروايات واردة كثيرا بتعليق حكم النجاسة على الدم من غير تقييد والظاهر في مثل هذا المقام عدم التقييد وإلا لوقع التصريح به في موضع قطعا غاية الأمر أن لا يسلم عمومها في الافراد الغير المتعارفة التي قل ما يقع البحث عنها والسؤال عن حالها وأما الافراد المتعارفة فكان منع الشمول لها أيضا مكابرة وظاهر إن جميع أقسام الدم من الادمي مثلا متعارف معهود يشيع البحث عنه وعن أحواله وإذا ثبت الحكم في الانسان ثبت في غيره أيضا لعدم الفصل ضرورة مع أن في غيره أيضا لا يبعد دعوى التعارف في جميع أقسام دمه ولو قيل إن الآية الكريمة مقيدة لها من جهة تقييد الدم بالمسفوح فدعوى عدم وقوع التقييد في موضع غير مسموعة نقول قد عرفت بما ذكرنا إن لا منافاة بين الآية الكريمة والروايات حتى يجب تقييدها بها إذ يجوز أن لا يكون إلى نزول الآية الكريمة محرم غير ما فصلى لكن بعده حرمت أشياء أخر والروايات بعد الآية فلو كان في الروايات تخصيص أو تقييد لما اكتفى بالتقييد الذي في الآية بل يصرح به في موضع لا أقل والروايتان اللتان ذكرنا أنهما يدلان على صحة التمسك بالآية في مثل هذا الموضع فالظاهر أن أحدا من الأصحاب لم يعمل بظاهرهما ومع قطع النظر عن ذلك أيضا في هذا التقييد كلام سيجئ وبالجملة لا ريب أن الاحتياط في التجنب عنه مطلقا هذا ثم إن صاحب المعالم (ره) بعد ما ذكر إن الظاهر من كلام الأصحاب الاتفاق على نجاسة دم ذي النفس مطلقا أورد كلاما طويل الزيل متعلقا بعبارة المنتهى ولما كان في نقله بطوله بعض الفوايد فلا نبالي بتطويل الكلام بنقله قال وربما يتوهم من ظاهر كلام العلامة في جملة من كتبه طهارته بل وطهارة القسم الذي قبله حيث قيد الدم المحكوم بنجاسته في كثير من عباراته بالمسفوح وأقربها إلى هذا التوهم عبارة المنتهى فإنه قال فيه قال علماؤنا الدم المسفوح من كل حيوان ذي نفس سائلة أي يكون خارجا بدفع من عرق نجس وهو مذهب علماء الاسلام لقوله تعالى قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس ثم ذكر جملة من الروايات المتضمنة للامر بالغسل من الدم بقول مطلق ويلوح
(٣٠٦)