النهاية معارض لما وقع في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله المنقولة في البحث السابق عن الاستبصار من إطلاق العذرة على عذرة السنور والكلب والأصل في الاطلاق الحقيقة لكن هذا الأصل ما لا عبرة به عندنا نعم إن المحقق كما سننقل عنه شهد بأن العذرة شاملة الخرء الطير وإنها مرادفة للخرء وشهادته (ره) إن لم يكن أزيد من شهادة أهل اللغة فليس بأنقص منها وهو ظاهر تفسير الخرء في الصحاح والقاموس بالعذرة ولا يبعد أن يقال إن العذرة وإن كانت بحسب اللغة عامة لكن لا بعد في ادعاء كونها في الروايات أما مخصوصة بعذرة الانسان أو يعمها وغيرها أيضا لكن لا بحيث يشمل خرء الطاير أيضا لأن الظاهر حمل الروايات على الافراد المتعارفة الشايعة وخرء الطير ليس منها ولو لم يدع الظهور في التخصيص فلا أقل من عدم الظهور في عدمه فيبقى الحكم على الطهارة فتأمل ودفع الثاني بأنه لا يخلو أما أن يكون للطير بول أولا فإن كان فحينئذ لا يصلح هذه الرواية لتقييد الروايات الكثيرة الدالة على نجاسة البول وتخصيصها لأنها من الكثرة بمكان وأيضا يوجد فيها الصحاح وهذه الرواية الواحدة مع عدم صحتها لا يصلح لمعارضتها مع أن عمل أكثر الأصحاب على خلافها على ما نقلنا من المختلف وإن لم يكن فحينئذ يضعف الرواية لأنها مشتملة على خلاف واقع فلا يجوز نسبتها إلى المعصوم إلا لتقية فاندفعت المعارضة ومع ذلك للكلام مجال بأن نقول نختار الثاني كما هو الظاهر من عدم وجود البول للطير ونقول بمجرد ذلك لا يلزم طرح الرواية لجواز حمل البول على التجوز بإطلاقه على رطوبات الطير ونحوها وسندها وإن لم يكن صحيحة على الاصطلاح لكنها صالحة للاعتماد لان إبراهيم بن هاشم كأنه لا يقصر عن الموثقين وأبا بصير أيضا من الوثوق بحال وحينئذ إن لم يسلم إطلاق العذرة على خرء الطير فالامر واضح حيث أنه لا يبقى في الطرف الآخر من الروايات إلا مفهوم موثقة عمار والمفهوم على تقدير عمومه لا يصلح هذه الحسنة بمنطوقها مخصصة له كما لا يخفى مع تأييدها بالأصل خصوصا مع عدم صراحة البأس في النجاسة وإن سلم فنقول لا عموم ظاهرا في شئ من الروايات الدالة على نجاسة العذرة والاطلاق لا نسلم قوة التمسك به في عموم الاحكام سيما مع وجود مقيد صالح للاعتماد مع أن تخصيص العمومات أيضا شايع واقع في الروايات فالعمومات وإن كانت كثيرة لا يبعد ارتكاب تخصيصها بخبر واحد سيما مع عدم ظهور الامر في الوجوب في أحاديثنا وبما ذكرنا ظهر أنه لو سلم إن للطير بولا أيضا يمكن المناقشة في الحكم لكن ليست في قوة المناقشة على تقدير عدم تسليمه مع أنها وإن ضعفت من وجه لكن قويت من وجه آخر بيانه إنه حينئذ يوجد في طرف النجاسة الاطلاقات الواردة في البول والعذرة وحسنة ابن سنان وفي طرف الطهارة حسنة أبي بصير وقد عرفت إن الاطلاقات وإن سلم عمومها كأنه يصلح هذه الحسنة لتخصيصها وإن وجد فيها الصحيح لان الدليل على حجية خبر الواحد الصحيح على تقدير تمامه لا نسلم شموله مثل هذه الصورة أيضا أي صورة معارضتها بمثل هذه الحسنة مع أن في إطلاقات العذرة منع عدم الشمول لخرء الطاير أيضا وأما حسنة ابن سنان فعلى تقدير صحة العمل بها يصح تخصيصها أيضا بالحسنة الأخرى ولو قيل إنها أقوى من هذه الحسنة باعتبار إن إبراهيم مشترك بينهما وباقي رجالها إماميون موثقون وفي هذه الحسنة يوجد أبو بصير وحاله غير معلوم فعلى تقدير التسليم مثل هذه القوة لا يوجب العمل بها وطرح الأخرى لما عرفت إن الصحيح مع معارضته لمثل هذه الحسنة يشكل العمل به فكيف بالحسن وأيضا هذه القوة معارضة بقوة دلالة هذه الحسنة إذ لا شك أن شمول هذه الحسنة للأفراد الغير المأكولة من الطير أظهر من شمول حسنة ابن سنان لها ففي التعارض لا رجحان لتخصيص حسنة أبي بصير بها من دون العكس لان لكل منهما قوة من جهة المتن والسند مع أن حسنة أبي بصير معتضدة بالأصل وأما وجه ضعف المناقشة من وجه وقوتها من وجه الذي ذكرنا حينئذ فهو أنه يعارض حسنة أبي بصير حسنة ابن سنان أيضا في هذه الصورة دون الصورة الأولى لكن الوهن الذي كان فيها باعتبار تضمن البول الذي هو خلاف الواقع يندفع حينئذ هذا فإن قلت إذا فرض إن العذرة لا يشمل الخرء وفرض إن للطير بولا فهل يمكن أن يستدل على طهارة بول الطير بأن يقال قد ثبت طهارة خرءها من دون معارض ولا قايل بالفصل فطهر بولها أيضا قلت الظاهر لا لان طهارة الخرء إن تمسك فيها بحسنة أبي بصير فهي ليست من القوة بحيث يمكن إثبات الحكم بها نعم في صورة معارضتها لشئ يضعف الاعتماد على ذلك الشئ بحيث لا يصلح التعويل وذلك لا يوجب صحة إثبات الحكم بها وأيضا وإن لم يكن معارض بالذات في الخرء وبالفرض لكن المعارضات التي في البول يصير معارضته في الخرء أيضا بواسطة عدم القول بالفصل فيرجع الامر أيضا إلى المعارضة بين هذه الحسنة وبين الروايات التي في البول من حسنة ابن سنان وغيرها وإن تمسك فيها بالأصل فلا عبرة به في مقابل تلك المعارضات لما عرفت إنها معارضات حينئذ أيضا بالواسطة ولو قيل إن الحسنة ليست حجة والاطلاقات لا عموم لها فهو كلام آخر ولا حاجة حينئذ إلى التمسك بالأصل في الخرء وانضمام عدم القول بالفصل إليه حتى يثبت الحكم في البول فليتمسك أولا في البول بالأصل وإنه لا مخرج عنه وهو ظاهر ثم إن العلامة (ره) في المنتهى بعد ما ذكر تعارض الحسنتين قال إلا أن لقايل أن يقول أنها غير مصرحة بالتنجيس أفضى ما في الباب إنه أمر بالغسل منه وهذا غير دال على النجاسة إلا من حيث المفهوم ودلالة المنطوق أقوى انتهى وضمير إنها راجع إلى حسنة ابن سنان وفيه نظر إذ مع الاغماض عن المسامحة التي وقعت منه في الاصطلاح حيث سمى هذا مفهوما نقول إن النجاسة يثبت في أكثر الأشياء النجسة بمثل هذا أي وجوب الغسل ونحوه بل لا معنى لها بالنظر إلينا سوى ذلك إذ لا نريد من النجاسة في الاحكام سوى إنها يجب غسلها في الصلاة ونحوها فإذا ثبت وجوب الغسل فلذلك يكفينا نعم لو نوقش فيه بأن الامر لا يدل على الوجوب في عرف الأحاديث فلا يثبت النجاسة لكانت متجهة على ما أشرنا إليه لكن لا يمكن حمل كلام العلامة (ره) عليها هذا ثم لا يخفى إن مع هذا كله الاحتياط في اتباع المشهور في أكثر الأحوال وإن كان في بعض الفروض النادرة في خلافه فاحتط وتثبت والشيخ وموافقوه احتجوا بما نقلنا
(٢٩٦)