معلوم إذ ما زاد في توجيه المثال على ما ذكره في الحكم الذي نحن بصدده أصلا كما لا يخفى هذا ويمكن أن يحتج أيضا للشيخ (ره) بمضمرة سماعة المتقدمة في بحث تبعية السؤر لدى السؤر في الكراهة وجه الدلالة أنه نفى البأس عن الإبل والبقر أو الغنم أيضا على رواية فقط فثبت لما سواها خرج ما خرج من مأكول اللحم بالدليل فبقي الباقي وفيه مع الاضمار وعدم صحة السند وجهالته ومعارضته بالروايات الكثيرة معارضة المنطوق بالمفهوم أن البأس يمكن حمله على الكراهة وليس ظاهرا في الحرمة وأما استدلال الشيخ (ره) على استثنائه ما استثنى فأما استثناؤه الحيوان البري كما في المبسوط فقط عرفت أنه لا وجه له وأما استثنائه الاخر في المبسوط وهو ما يشق التحرز عنه كالهرة والفارة و نحوهما وكذا استثنائه الطير مطلقا فدليله في الطير روايتا أبي بصير وعمار بن موسى المتقدمتان في حجج ما ذهب إليه المصنف في المسألة وأما دليله فيما يشق الاجتناب عنه فلعله المشقة والجرح والرويات الواردة في أمثال تلك الأشياء كما مرت في الهرة وسيجئ في الفارة وغيرها أيضا وأنا بعد ما بينا ظهور جواز الاستعمال في سؤر كل ما يؤكل لحمه لفي فراغ من تحقيق حال هذا الاستثناء ثم الظاهر أن استثناء الشيخ في الاستبصار مراده ما هو في المبسوط بعينه وإن ذكر خصوص بعض الطيور وخصوص الفارة بقرينة ما ذكره من الدليل خصوصا في الطير إذ لا يبعد أن يقال إن ظاهر عبارته أيضا لا يوهم التخصيص كما يظهر لمن ينظر فيها نعم لا يظهر أن مذهبه في التهذيب ماذا في الأمور التي يشق الاحتراز عنها لأنه استدل على نفي البأس عن سؤر الهرة فقط ولم يتعرض لغيرها من الأمور المذكورة بنفي ولا إثبات (ومنه الفارة) الحكم بكراهة سؤرها هو المشهور ويفهم من المعتبر أنه لا يكره وكلام الشيخ (ره) في بعض المواضع من النهاية يدل على عدم جواز استعماله وإن كان صرح في موضع آخر بخلافه قال في باب المياه منها وإذا وقعت الفارة والحية في الآنية وشربتا منها ثم خرجتا لم يكن به بأس والأفضل ترك استعماله على كل حال وقال في باب تطهير الثياب من النجاسات منها وإذا أصاب ثوب الانسان كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب أو فارة أو وزغة وكان رطبا وجب غسل الموضع الذي أصابه فإن لم يتعين الموضع وجب غسل الثوب كله وإن كان يابسا وجب أن يرش الموضع بعينه فإن لم يتعين رش الثوب كله وكذلك إن مس الانسان بيده أحد ما ذكرناه انتهى ولا يخفى ما في بين الكلامين من البين وحمل الوجوب على الاستحباب المؤكد في الفارة ونحوها بعيد سيما مع اقترانها بالكلب والخنزير وكذا يبعد أيضا الفرق بين الصورتين أي الماء الذي وقعت فيه الفارة أو شربت منه وما إذا أصابت رطبا ثوب إنسان أو بدنه وكذا كلامه في المبسوط لأنه في بحث الأسئار استثنى الفارة ونحوها مما يشق التحرز عنه عن الحكم بعدم جواز استعمال السؤر فميا لا يؤكل لحمه من الحيوان إلا نسي على ما نقلنا عنه سابقا ثم قال في باب تطهير الثياب ما مس الكلب والخنزير والثعلب والأرنب والفارة والوزغة بساير أبدانها إذا كانت رطبة أو أدخلت أيديها وأرجلها في الماء وجب غسل الموضع وإراقة ذلك الماء ولا يراعي في غسل ذلك العدد لان العدد يختص الولوغ وإن كان يابسا رش الموضع بالماء فإن لم يتعين الموضع غسل الثوب كله أو رش و كذلك إن من بيده شيئا من ذلك وكان واحد منهما رطبا وجب غسل يده وإن كان يابسا مسحه بالتراب وقد رويت رخصة في استعمال ما يشرب منه ساير الحيوانات في البراري سوى الكلب والخنزير وما شربت منه الفارة في البيوت والوزغ أو وقعا فيه وخرجا حيين لأنه لا يمكن التحرز من ذلك انتهى ولعله كما يفهم من سوق كلامه أنه قايل بالفرق بين الصورتين اللتين ذكرنا وإن كان بعيدا أو إن حكمه بالجواز في النهاية والمبسوط إنما هو بالجواز في الصورة الأولى بناء على ورود الرواية في خصوصها بزعمه والمفيد (ره) في المقنعة لم يحكم في بحث الأسئار في باب الفارة بشئ وقال في باب تطهير الثياب بعد ذكر الكلب والخنزير وكذلك الحكم في الفارة والوزغة برش الموضع الذي مساه بالماء من الثوب إذا لم يؤثرا فيه وإن رطباه وأثرا فيه غسل بالماء وكذلك إن مس واحد مما ذكرناه جسد الانسان أو وقعت يده عليه وكان رطبا غسل ما أصابه منه وإن كان يابسا مسحه بالتراب انتهى وكان كلامه أيضا مخصوص بالصورة الثانية وقال الصدوق في الفقيه في باب ما ينجس الثوب والجسد وإن وقعت فارة في الماء ثم خرجت فمشت على الثياب فاغسل ما رأيت من أثرها وما لم تره أنضحه بالماء وعزى العلامة في المختلف إلى سلار الحكم بنجاسة الفارة وإلى ابن البراج كراهتها وإلى ابن إدريس طهارتها وهو أيضا (ره) اختار الطهارة وقال أنها مختار والده وشيخه أبي القاسم بن سعيد أيضا وذكر المحقق أنها الظاهر من كلام المرتضى في بعض كتبه وعليه جمهور المتأخرين أيضا وإذ قد تقرر حكاية الأقوال فنقول الظاهر هو ما اختاره المصنف من كراهة سؤرها وكذا الظاهر أنه لا فرق بين سؤرها وملاقاتها لشئ بالرطوبة بالنظر إلى الدلايل المتعارفة وفي الحقيقة هنا أحكام طهارة سؤرها وإباحتها واستحباب التنزه عنه أما الأولان فالحجة فيهما أولا الأصل إذ النجاسة حقيقة حكم مخالف لحكم أصالة البراءة كما أشرنا إليه سابقا فالطهارة ما وفقه لها وكذا الأصل كل شئ نظيف حتى يعلم أنه قذر وكل ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر وأصالة الإباحة ظاهرة وفيه أن الأصل إنما يدل على الحكم إذا لم يوجد مخرج عنه وها هنا المخرج موجود كما سيجئ في أدلة المخالف غاية الأمر وجود المعارض لها فيرجع الامر إلى المعارضة ولا بد من النظر في الترجيح نعم إذا فرض تساوي الأدلة المتعارضة من الجانبين وحكم بتساقطها كان حينئذ الحكم الأصل وثانيا الروايات العامة و الخاصة أما العامة فصحيحة أبي العباس المتقدمة في البحث السابق ورواية ابن مسكان المتقدمة فيه أيضا ويرد عليهما أنهما عامتان وما سيجئ من أدلة الخلاف خاص فينبغي حمل العام على الخاص ولا يبعد المناقشة فيه بعدم حمل العام على الخاص إذ يمكن ارتكاب المجاز في الخاص بحمله على استحباب الاجتناب ولا نسلم ترجيح التخصيص عليه وإن كان شايعا متعارفا لان مثل هذا المجاز
(٢٧٤)