أيضا شايع متعارف في أحاديثنا بحيث لا يقصر عن شيوع التخصيص لكن هذا الكلام لا يليق بحال الاستدلال نعم لو استدل المخالف بالخاص وقال لا بد من تخصيص عامكم به فثبت مدعانا لكان حينئذ هذا القول متجها في مقابله لكن لا يخفى أنه مع ذلك ينفع هذا القول من جهة أخرى حيث أنه بناء على هذا القول يؤل الامر إلى المعارضة بين العام والخاص من دون ترجيح للخاص فيحكم بالتساقط والعمل بالأصل الكائن من قبلنا وأما الخاصة فمنها ما رواه التهذيب في باب الذبايح والأطعمة في الصحية عن سعيد الأعرج قال سئلت أبا عبد (عليه السلام) عن الفارة تقع في السمن والزيت ثم تخرج منه حيا فقال لا بأس بأكله وهذا الخبر في الكافي أيضا في كتاب الذبايح باب الفارة تموت في الطعام والشراب بسند صحيح غير سند التهذيب عن سعيد الأعرج ومنها ما رواه التهذيب أيضا في زيادات كتاب الطهارة باب المياه وأحكامها في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال في أثناء حديث وسئلته عن فارة وقعت في حب دهن فأخرجت قبل أن تموت أنبيعه من مسلم قال نعم ويدهن منه وهذا الخبر في الاستبصار أيضا في كتاب الطهارة باب حكم الفارة والوزغة والحية والعقرب إذا وقعت في الماء وأفتى بمضمونه الفقيه أيضا في باب المياه حيث قال فإن وقعت فارة في حب دهن فأخرجت قبل أن تموت فلا بأس بأن يدهن منه ويباع من مسلم ويرد عليه أنه لا ظهور له في الحل والطهارة إذ يجوز أن يكون مراده (عليه السلام) أنه يباع من مسلم ليدهن منه على أن يكون الواو بمعنى اللام على ما قالوا في قوله تعالى يا ليتنا نرد ولا نكذب على قراءة النصب إن الواو بمعنى اللازم والادهان لا يستلزمها لامكان أن يدهن ويغسل بدنه ومع قطع النظر عن كون الواو بمعنى اللام أيضا حتى يقال أنه بعيد نقول لا بعد بحسب اللفظ أن يكون قوله ( عليه السلام) ويدهن متعلقا بقوله نعم لا أن يكون حكما على حده ويكون بيانا لفايدة البيع من المسلم وحينئذ أيضا يكون الحكم مختصا بجواز الادهان وقد عرفت عدم استلزامه للمدعى بل نقول لو سلم أنه حكم على حدة أيضا لا يلزم المدعى إذ جواز البيع لا يستلزم المطلوب لامكان الانتفاع منه بدون الطهارة والحلية في الاستصباح والادهان ونحوهما لكن لا يبعد أن يقال حينئذ إن الحكم بجواز البيع مطلقا من دون تفصيل القول فيه بأن البيع لأجل أي شئ وعدم الامر بوجوب الاعلام للمشتري بالحال مع أن المقام مظنة أن يكون جواز البيع لطهارته وحليته لا يخلو عن بعد وكذا يمكن أن يقال على التقديرين الأولين أيضا أن الحكم بجواز الادهان من دون الاعلام بأنه لا بد من تطهير البدن بعده مع أنه في مقام المظنة يشعر بالطهارة إلا أن يقال على التقادير جميعا إن ذكر الادهان بخصوصه الذي لا يشترط فيه الطهارة والحلية بعد إن البيع سواء كان متعلقا به أو لا من بين ساير الاستعمالات كأنه يشعر بعدم طهارته وحلته وإن البيع لأجل مثل هذا الاستعمال فلا حاجة حينئذ إلى التصريح بوجوب تطهير البدن واعلام المشتري بالحال كما لا يخفى على من له دراية بأسلوب المقال ومنها ما رواه الفقيه في باب المياه في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) كان يقول لا بأس بسؤر الفارة إذا شربت من الاناء إن الشرب منه ويتوضأ منه وهذا الخبر في التهذيب أيضا في الباب المتقدم مرسلا عن إسحاق بن عمار وفي الاستبصار أيضا في باب سؤر ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه عن إسحاق مرسلا ومنها ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه في الحسن عن هارون بن حمزة الغني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الفارة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ منه قال يسكب منه ثلاث مرات وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ثم يشرب منه ويتوضأ منه غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع وفيه وهذا الخبر في الاستبصار أيضا في باب حكم الفارة والظاهر أن المراد بالماء في الخبر غير البئر بقرينة السكب إذ لم يعهد إطلاق السكب على النزح من البئر وحينئذ فوجه الدلالة على المطلب ظاهر والعجب أن الشيخ (ره) في التهذيب ذكر هذا الخبر في طي أدلة وجوب نزح ثلاث دلاء من البئر إن ماتت فيها فارة مع ظهوره في أن المراد غير البئر كما ذكرنا وتصريحه بحيوة الفارة إلا أن يقال أنه استدلال بطريق الأولى لأنه إذا كان في الحياة كذلك ففي الموت بطريق الأولى وهذا إنما يصح إذا كان قايلا بوجوب النزح في حال الحياة أيضا وهو غير معلوم ثم المراد بالسكب ثلاث مرات كأنه الصب منه ثلاث أكف استحبابا أو وجوبا للنزاهة والنظافة وزوال النفرة أو توهم التسمية وعلى أي حال يدل على المطلب إذ القائلون بالنجاسة لا يكتفون بصب ثلاث أكف منه إذا كان قليلا ولا يخفى أيضا إن حمل الماء على الكر ولفظة القليل على القليل في العرف بعيد كثيرا وبالجملة دلالة الخبر على المراد من حيث المتن حسنة نعم من حيث السند ليست بحسنته لأنه حسن لكن مع انضمامه بالروايات السابقة يوثق المطلب ويصححه ويؤيده ويرجحه جدا وثالثا التعليل بالحرج والمشقة على تقدير النجاسة بل الحرمة أيضا حيث لا يمكن التحرز من سؤر الفارة في البيوت غالبا كما ذكره الشيخ في المبسوط والاستبصار وفيه ضعف هذا وأما الثالث أي استحباب التنزه عنه فلمرسلة الوشاء ورواية ابن مسكان ومضمرة سماعة المتقدمة في البحث السابق ولوقوع الخلاف وفيه ما فيه ولما نذكر من جانب المخالفية حيث تبين أنه ينبغي حمله على الكراهة حجة القول بالنجاسة أيضا روايات منها ما رواه التهذيب في باب تطهير الثياب من النجاسات بثلاثة طرق كلها صحيحة عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سئلته عن الفارة الرطبة قد وقعت في الماء يمشي على الثياب أيصلي فيها قال اغسل ما رأيت من أثرها وما لم تره فانضحه بالماء وهذا الخبر في الكافي أيضا في باب الكلب يصيب الثوب والجسد بطريق صحيح عن علي بن جعفر (عليه السلام) وقد كرر في التهذيب أيضا في زيادات الجزء الأول من كتاب الصلاة باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والجواب أن استعمال الامر بمعنى الاستحباب شايع جدا في أحاديث أئمتنا (عليه السلام) فلا ظهور له في الوجوب حتى يستدل بوجوب الغسل على النجاسة سيما مع معارضته لما ذكرنا من الروايات ثم لا يخفى أن ما ذكرنا من الروايات تدل على طهارة سؤرها وحليته من المياه المطلقة والمضافة وهذا الخبر على تنجيس ما لاقته برطوبة من الثياب ويمكن أن يقال لا منافاة بينهما
(٢٧٥)