إن القصد إلى مجرد الارتماس أو الارتماس للغسل ورجح بعض الأصحاب لوقوعه فيها ومباشرته لمائها وإن لم يرتمس ولم يغتسل ولنذكر أولا الروايات الواردة في هذا الباب المتضمنة لوجوب نزح السبع ثم نشتغل بذكر ما يتعلق بها فالروايات أربع صحيحة الحلبي المتقدمة في بحث وقوع الخمر المتضمنة لنزح السبع لوقوع الجنب في البئر وصحيحة ابن سنان المتقدمة في ذلك البحث أيضا المتضمنة لنزول الجنب وصحيحة محمد بن مسلم المروية في التهذيب في باب تطهير المياه بطريقين صحيحين عنه عن أحدهما (عليهما السلام) إذا دخل الجنب البئر نزح منها سبع دلاء ورواية أبي بصير المتقدمة في بحث وقوع العذرة المتضمنة للسؤال عن اغتسال الجنب فيها وأمره (عليه السلام) بوجوب السبع وإذ قد تقدم هذا فنقول لا خفاء في نزح السبع وجوبا أو استحبابا على الرأيين للروايات المعتبرة مع عدم معارض وأما كونه لأي معنى من المعاني الثلاثة فأنت خبير بأنه لا يفهم من الروايات الارتماس أصلا وابن إدريس إنما تمسك بوقوع الاجماع عليه دون غيره وأنكره المحقق في المعتبر فعلى هذا لا عبره به وأما الاغتسال فهو أيضا لا يفهم ظاهرا من الروايات الظاهرة بالنظر إلى إطلاق الثلاث الأول خلافه والمشترطون للاغتسال تمسكوا بأن رواية أبي بصير مقيدة والباقي مطلق فيحمل عليها وفيه أنه لا منافاة حتى يجب الحمل إذ يجوزان يجب السبع للوقوع والاغتسال جميعا فإن قلت ليس المراد أنه مما يجب فيه حمل المطلق على المقيد حتى يشترط المنافاة بل إن التقييد بالاغتسال قرينة على أن المراد في الروايات الأخرى من الوقوع والنزول والدخول الاغتسال مع أن له ظهورا في الجملة أيضا بحسب العرف سيما مع تأييده بالأصل قلت هذا لا يصلح قرينة أيضا لان التقييد بالاغتسال ليس في كلامه (عليه السلام) بل السايل إنما سئل عن الاغتسال وأجاب (عليه السلام) بنزح السبع فيجوز أن يكون أمره (عليه السلام) بالنزح فيه لأنه من أحد أفراد الوقوع وهو ظاهر إن الرواية غير نقي السند وما ذكرته من ظهور الدلالة بحسب العرف ممنوع والتأييد بالأصل لا وجه له بعد ورود الروايات الصحيحة بخلافه إلا أن يقال لما لم يشتهر العمل بإطلاقها بين الأصحاب فذلك شك عظيم في تعيين معناها و قد عرفت الحال عند حصول الشك في معنى التكليف مرارا من احتمال الاكتفاء بالقدر المتيقن المظنون وقد يتمسك أيضا بأنه لو لم يحمل على الاغتسال فلا وجه للنزح لأن المفروض إن بدنه خال عن النجاسة العينية منيا أو كان غيره أما الغير فلا خفاء فيه وأما المني فلان للمني يجب نزح الجميع فلا معنى لايجاب السبع فظهر أن إيجاب النزح ليس للنجاسة بل لزوال الطهورية الحاصلة من الاغتسال فقد ظهر اشتراطه وقد اعترض أولا بأن خلو بدنه عن النجاسة ممنوع لجواز أن تكون الروايات محمولة على الغالب من عدم انفكاك بدنه عن المني ووجوب نزح الجميع له ممنوع لما عرفت في بابه من عدم نص فيه وقد اعترف به الشيخ أبو علي ابن الشيخ (ره) وفيه بعد لعدم ظهور قايل به من الأصحاب وإطلاق الروايات من غير قرينة ظاهرة على التقييد مع شهرة وجوب نزح الجميع للمني وثانيا بأن حصر تنجيس البئر في النجاسات العينية ممنوع لجواز أن يكون بدن الجنب أيضا مما ينجسها فإن الذي نجس غيرها بهذه الأشياء هو الذي نجسها بهذا الشئ مع أن البئر قد اشتمل على أحكام مختلفة من اختلاف المتفقات واتفاق المختلفات وفيه أيضا بعد لان العدول عن الأصول الموضوعة والقواعد المسلمة بمجرد الاحتمال من غير نص صريح في غاية الاشكال وثالثا بأن حصر سبب النزح في زوال الطهارة والطهورية ممنوع لجواز أن يكون لزوال النفرة أو غيره كما في النزح للوزغة ونحوها وبالجملة العقل لا سبيل له إلى هذه الأمور وهو جيد ورابعا بأن وجوب النزح لزوال الطهورية مما لا يكاد يصح لان صحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة في بحث نجاسة البئر المتضمنة لنهي الجنب عن الوقوع في البئر وإفساد مائها على القوم مما يدل على حرمة الاغتسال فيكون فاسدا لان النهي في العبادة مستلزم للفساد وعند فساده لا يصير ماء البئر مستعملا زايلا عنه حكم الطهورية لان الاستعمال إنما يتحقق بعد صحة الاغتسال ويعترض عليه بأن النهي لا يدل على الفساد مع أن النهي ليس عن الاغتسال بل عن الوقوع في البئر وإفساد الماء فيجوز أن يكون المراد بالوقوع النزول ويكون النهي عنه لخوف الضرر على النفس ويكون المراد بالافساد الافساد الذي يحصل من إثارة التراب ونحوه بسبب النزول على أن ظهوره في الحرمة أيضا ممنوع هذا وبما ذكرنا ظهر أن القول بالنزح بمجرد الوقوع لا يخلو من وجه ثم أنه استشكل في أن سبب النزح ماذا ولا يخفى أنه على القول باشتراط وجود المني كما مال إليه صاحب المعالم واحتمله العلامة أيضا لا إشكال لان سببه النجاسة وأما على اشتراط الخلو عن النجاسة مطلقا فلا يخلو أما أن يشترط الاغتسال أم لا فإن لم يشترط الاغتسال فيشكل الامر فتارة يقولون إن النجاسة الحكمية التي في بدن الجنب بنجسها كما ذكرنا فالنزح لزوال النجاسة وفيه ما تقدم وأيضا يلزم أن يكون ماء البئر أسوء حالا من القليل والمصاف إذ هما لا ينجسان بها إجماعا وفيه من البعد ما لا يخفى وأنت خبير بأن هذا الوجه لو كان على سبيل الاحتمال فليس ببعيد وإن كان على سبيل الجزم ويفرع عليه الحكم بالنجاسة فالامر كما ذكرنا وتارة يقولون أن النزح لزوال النفرة أو غيره مما لم يصل إليه عقولنا وليس ببعيد وإن اشتراط الاغتسال فقد يعلل بزوال الطهورية ويرد عليه أولا ما ذكرنا من حديث النهي عن الاغتسال وقد عرفت ما فيه واعترض عليه أيضا بوجوه أخر الأول ما أورد الشهيد الثاني في شرح الارشاد من منع إن النهي عن العبادة بل عن الوقوع في الماء وإفساده وهو إنما يتحقق بعد الحكم بطهر الجنب لا بمجرد دخوله في البئر فلا يضر هذا النهي لتأخره وعدم كونه عن نفس العبادة إلا أن يقال الوسيلة إلى المحرم محرمة وإن كانت قبل زمانه
(٢٣٢)