إن الخبر دل بعمومه على وجوب أربعين دلوا للبول مطلقا وهو شامل للكافر فظهر أنه لا يجب نزح الجميع بسبب وقوع ما لاقى بدنه في البئر وإلا لا معنى لوجوب نزح الأربعين بعده فبقي أما أن يكون يجب أربعون أو ثلاثون إذ لا خارج عنهما لو لم ندع ظهور الخبر في عدم وجوب نزح شئ آخر كما ادعاه المحقق في المسألة السابقة وسنبين بعد ذلك إنشاء الله إن النجاسات يتداخل فظهر وجوب الأربعين فقط نعم يشكل على القائلين بعدم التداخل كالمحقق (ره) إلا أن يتمسك بالدعوى المذكورة واحتمل بعض آخر من المتأخرين الفرق في العذرة نظرا إلى زيادة نجاسة عذرة الكافر بمجاورته وجزم في البول بعدم الفرق لعموم لفظ الرجل وفيه من التعجب ما لا يخفى وثلاثين لماء المطر المخالط للبول والعذرة وخرء الكلاب هذا هو المشهور بين الأصحاب ومستنده ما رواه التهذيب في زيادات باب المياه والاستبصار في باب البئر يقع فيها العذرة والفقيه في باب المياه عن كردويه قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة وأبوال الدواب وأرواثها وخرء الكلاب قال ينزح منها ثلاثون دلوا وإن كانت منجزة وفي الفقيه بدل المطر الطريق وقد استشكل في هذا الخبر بأن ترك الاستفصال عن النجاسات المذكورة يقتضي تساوي جميع محتملاتها في الحكم فيستوي حال العذرة رطبة ويابسة وحال البول إذا كان بول رجل أو غيره وقد حكموا بنزح خمسين للعذرة الرطبة وأربعين لبول الرجل مع انفراد كل منهما فكيف يجزي بالثلاثين مع انضمام أحدهما إلى الاخر وانضمام غيرهما إليهما وهو مقتض لزيادة النجاسة وأجيب عنه بالحمل على استهلاك ماء المطر لأعيان النجاسات ولا بعد في أن يكون ماء النجاسة أخف منها ورد بأنه على تقدير الاستهلاك لا يبقى فرق بين ماء المطر وغيره وقد فرقوا مع أن لفظ الرواية ظاهر في كون الأعيان باقية موجودة فالأولى إبقاء الرواية على إطلاقها وعدم الالتفات إلى مثل هذا الاشكال فإنه استبعاد غير مسموع بعد قيام الدليل خصوصا في أحكام البئر فإن الفرق بين المتماثل والجمع بين المتباين فيها كثير مع أنه يمكن تخفيف نجاستها بماء المطر قال صاحب المعالم (ره) وهذا الكلام إنما يتوجه إذا كان دليل الحكم ناهضا بإثباته وليس لأمر كذلك ها هنا فإن راوي هذا الحديث أعني كردويه مجهول الحال إذ لم يتعرض له الأصحاب في كتب الرجال انتهى ولا يخفى أنه وإن كان مجهول الحال لكن قبول الأصحاب لروايته والعمل بها من غير راد لها ظاهرا يجبر ضعفه سيما إن المعتمد في وجوب الخمسين والأربعين للعذرة والبول إنما هو الشهرة بين الأصحاب وأما الاخبار فقد عرفت حالها وحينئذ فالشهرة كافية في إخراج خصوص هذا الفرد سيما مع معاضدة أصالة البراءة وبالجملة الحكم كأنه ظاهر والله أعلم ولا يذهب عليك إن الخبر على ما في الفقيه غير مختص ظاهرا بماء المطر لكن لما كان في الكتابين لفظ المطر والأصحاب أيضا خصوا به فالظاهر عدم التعدي منه ثم الظاهر أن ماء المطر إذا خالطه بعض من المذكورات يكون حكمه أيضا كذلك بالطريق الأولى أما إذا زاد عليها شئ أو بدل بعضها بشئ فالتعدي مشكل واعلم إن المصنف (ره) ذكر في شرح الارشاد أنه وجد بخط الشيخ في الاستبصار مبخرة بضم الميم وسكون الباء وكسر الخاء معناها المنتنة ويروى بفتح الميم والخاء موضع النتن ولا يخفى أن في الخبر إشكالا آخر من حيث إن ظاهره الاكتفاء بالثلاثين وإن كان النتن باقيا وفيه إشكال لمنافاته للروايات الكثيرة الدالة على وجوب النزح حتى يذهب النتن بل للاجماع ظاهرا فينبغي أن يقيد بما إذا ذهب النتن بالثلاثين ويكون فايدة الوصل أن لا يتوهم وجوب نزح الجميع عند حصول النتن وإن زال النتن بما دونه والله أعلم (وقطرة نبيذ مسكر في رواية كردويه) قد تقدم الرواية (وعشرين لقطرة الخمر عند الصدوق وللدم ولحم الخنزير في رواية زرارة لغاية الدم عند المرتضى والمبدء دلو وعشر ليابس العذرة وقليل الدم وتسع أو عشر للشاة عند الصدوق) قد تقدم القول في جميع ذلك مشروحا (وسبع لموت الطير) هذا هو المعروف بين الأصحاب ويفهم من ظاهر الاستبصار جواز الاكتفاء بالثلاث ويدل على المشهور موثقة أبي أسامة وأبي يوسف يعقوب بن عيثم المتقدمة في بحث نجاسة البئر وموثقة سماعة ورواية علي المتقدمتان في بحث وقوع الكلب وشبهه ويعارضها أخبار أخرى مثل صحيحة أبي أسامة المذكورة في بحث الكلب المتضمنة لخمس دلاء ما لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء وصحيحة الفضلاء ورواية الفضل المتقدمتان في بحث الفرس المتضمنتان النزح الدلاء وصحيحة علي بن يقطين المتقدمة في بحث نجاسة البئر المتضمنة لنزح الدلاء للدجاجة والحمامة ورواية إسحاق بن عمار المتقدمة في بحث وقوع الشاة المتضمنة للدلوين أو ثلاثة وقد جمع في الاستبصار بين رواية علي ورواية إسحاق بحمل رواية علي على الاستحباب أو على التفسخ ولا ولا يخفى أنه لو كان الدال على السبع منحصرا في رواية علي لكان لهذا الجمع وجه لعدم صحة المستند فيهما جميعا لكن قد عرفت وجود روايتين أخريين مع قوة سندهما سيما موثقة أبي أسامة فإنها في حكم الصحيح لان توثيقه بابان وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وحينئذ ارتكاب التأويل في هذه الروايات بمجرد ضعيفة إسحاق لا وجه له ولو قيل أنه ليس بتأويل إذ ظهورها في الوجوب ممنوع فينهدم بنيان القول بوجوب النزح مطلقا لكن لما كان طريقتهم رحمهم الله غير ما هو المعروف في زماننا في اصطلاح الصحيح وأخواته فلعل هذه الرواية كانت معتبرة عندهم بالقرائن ثم الظاهر على اصطلاح هذا العصر العمل بصحيحة أبي أسامة المتضمنة للخمر وحمل الروايات المتضمنة للدلاء عليها وحمل السبع على الاستحباب أو التفسخ وطرح رواية إسحاق لضعفها ويمكن أيضا الاكتفاء بالثلاثة نظرا إلى روايات الدلاء وحمل الزايد عليها على الاستحباب والأول أولى والأحوط نزح السبع (واغتسال الجنب) هذا هو المشهور بين الأصحاب وقال ابن إدريس لارتماس الجنب وهو الظاهر من كلام الشيخين ولا يفهم منه
(٢٣١)