أما العقرب والوزغة فعلى الاستحباب لان ما لا نفس له سايلة ليس بنجس ولا ينجس شئ بموته فيه بل روي إن له سما فيكره لذلك انتهى حجة القول بالثلاث صحيحتا معاوية بن عمار وابن سنان المتقدمتان في بحث الفارة وأما ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه والاستبصار في باب البئر يقع فيها الفارة والفقيه في باب المياه عن يعقوب بن عثيم قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) سام أبرص وجدناه قد تفسخ في البئر قال إنما عليك أن تنزح منها سبع دلاء قلت فثيابنا التي قد صلينا نغسلها ونعيد الصلاة قال لا فغير نقي السيد مع عدم عمل الأصحاب بمضمونه فليحمل على الاستحباب جمعا بين الاخبار والشيخ (ره) كأنه عمل بمضمونه وحمل الروايتين السابقتين على عدم التفسخ كما يفهم من ظاهر التهذيب وحجة القول بالدلو الواحد ما رواه التهذيب في زيادات باب المياه عن يعقوب بن عثيم أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال له بئر ماء في مائها ريح يخرج منها قطع جلود فقال ليس بشئ لان الوزغ ربما طرح جلده إنما يكفيك من ذلك دلو واحد وما رواه الكافي في الحسن عن عبد الله بن المغيرة عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت بئر يخرج في مائها قطع جلود قال ليس بشئ إن الوزغ ربما طرح جلده وقال يكفيك دلو من ماء قال المحقق في المعتبر وليس في هذا دلالة صريحة وقد يقال بل لا دلالة عند التحقيق والامر كما قيل إن كان مرادهم من هذا الاستدلال إثبات عدم وجوب الباب الثلاث به فقط وأما إذا كان مرادهم إثبات وجوب الدلو الواحد به ويتمسكون في نفي الزيادة بالأصل فله وجه لكن الأصل لا عبرة به بعد ورود النص ولو قيل بعدم ظهور الروايتين في الوجوب بل يحتمل الاستحباب فهذا المعنى في خبريهم أيضا جار فلم قالوا بوجوب الواحد دون الثلاث إلا أن يكون القول بوجوب الواحد للاجماع على الواحد دون ما زاد عليه واحتج ابن إدريس بأنه لا نفس له سايلة فلا ينجس الماء بموته والروايات لا تصير حجة عليه لعدم عمله بخبر الواحد ويمكن أن يحتج عليه أيضا بما روياه في البابين والفقيه في باب المياه عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه سأله عن السام أبرص يقع في البئر فقال ليس شئ حرك الماء بالدلو وقد يقال أنه يمكن أن يكون المراد من تحريك الماء بالدلو نزح دلو واحد فيكون حجة لأبي الصلاح وأن يحمل على عدم موته وسيجئ في البحث الآتي ما يصلح احتجاجا لابن إدريس (والعقرب) هذا مختار الشيخ في النهاية والمبسوط وتبعه ابن البراج وأبو الصلاح وذهب الشيخ علي بن بابويه في رسالته إلى عدم وجوب شئ للعقرب كما نقلنا سابقا وهو مختار ابن إدريس حجة الشيخ ما روياه في البابين عن هارون بن حمزة العنوي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الفارة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ منه قال نسكب منه ثلاث مرات قليلة وكثيرة بمنزلة واحدة ثم يشرب منه ويتوضأ منه غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع فيه وجه الاستدلال أنه إذا وجب أن ينزح لها مع خروجها حيا ثلاث دلاء فمع الموت بالطريق الأولى واحتج أيضا بأن المقتضي للنزح في الوزغة وهو السم موجود في العقرب وأما ما رواه التهذيب في باب المياه والاستبصار في باب ما ليس له نفس سايلة يقع في الماء عن منهال قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) العقرب يخرج من البئر ميتة قال استق منه عشرة دلاء قال قلت فغيرها من الجيف قال الجيف كلها سواء إلا جيفة قد أجيفت فإن كانت جيفة قد أجيفت البئر بها فاستق منها مائة دلو فإن غلب عليها الريح بعد مائة دلو فانزحها كلها فغير نقي السند ولم يعمل الأصحاب بمضمونه فليحمل على الاستحباب وأما حجة ابن بابويه فإنه حيوان لا نفس له سايلة فلا يجب بموته شئ كالذباب والخنافس وفيه إن بعد ورود النص بالنزح لا وجه لهذا القول لجواز أن لا يكون النزح لنجاسته بل لسميته لكن الكلام في ورود النص إذ الحجة المذكورة لا ظهور لها فيما نحن فيه بل الظاهر أنه في غير البئر بل في الأواني والظروف بدلالة عجزها عليه من عدم الانتفاع بما يقع فيه الوزغة إذ لم يقل أحد بعدم الانتفاع بالبئر التي يقع فيها الوزغة لا وجوبا ولا استحبابا وأيضا الظاهر أن هذه الأوامر مما لا ظهور لها في الوجوب مع أنها ليست بلفظة الامر أيضا واحتج أيضا بما روياه في البابين المذكورين سابقا في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل قال سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه فقال كل ما ليس له دم فلا بأس به وأجيب أيضا بالتخصيص بما ذكر وفيه أيضا ما ذكر وبرواية أبي بصير المنقولة عن الكافي في بحث الكلب وبما رواية أيضا في البابين عن حفص بن غياث عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سايلة و روى التهذيب مثله عن محمد بن يحيى مرفوعا عن أبي عبد الله (عليه السلام) نقلا عن الكافي والكلام فيهما أيضا كما تقدم (وقيل يستحب لهما) كما نقلنا عن المعتبر وإليه ذهب العلامة أيضا وهو الصحيح لوجود الروايات من عدم ظهورها في الوجوب فليحمل على الاستحباب ولما لم يضيق في أمر الاستحباب فالمناقشة في بعض الأخبار من حيث السند أو من حيث الدلالة لا تضر بالمقصود ولو لبول الرضيع) هذا مختار الشيخين وكثير من الأصحاب وقال أبو الصلاح وابن زهرة ينزح له ثلاث دلاء واحتج الشيخ برواية علي بن حمزة المتقدمة في بحث بول الصبي وفيه ما لا يخفى لان فهيا التصريح بالفطيم فكيف يحمل على الرضيع إلا أن يقال إذا كان يكفي دلو واحدا للفطيم فللرضيع بالطريق الأولى لكن هذا الاستدلال إنما يصح ممن لا يقول بوجوب السبع للصبي وأما من قال به كالشيخ فلا كما لا يخفى وأما ما ذهب إليه أبو الصلاح فقد قيل أنه لا مأخذ له وليس كذلك إذ يمكن أن يستدل عليه بصحيحة إسماعيل بن بزيع المتقدمة في بحث نجاسة البئر المتضمنة لنزح الدلاء لقطرات البول وجه الاستدلال أنها عامة فيشمل المتنازع فيه وأقل الدلاء ثلاث ورواية علي بن أبي حمزة لا تصلح معارضا لعدم ظهور صحتها مع أن الأصحاب لم يعملوا بمضمونها قط إذ العاملون بها أيضا كأنهم
(٢٣٧)