يفصله حجة الأكثر رواية أبي مريم المتقدمة في بحث الكلب ولولا الشهرة بين الأصحاب لأمكن الاكتفاء بخمس دلاء لصحيحة أبي سامة وحمل السبع على الاستحباب بل بالثلاث أيضا لصحيحة علي بن يقطين للدلاء وحمل الخمس والسبع على الاستحباب وأما ابن إدريس فقد طرح هذه الرواية وذكر أنها ليست بشئ يعتمد عليه والواجب العدول عن الرواية الضعيفة ونزح أربعين دلوا ولعل حكمه بالضعف وعدم التعويل بناء على أصله من عدم العمل بخبر الواحد ثم اعترض على نفسه بأنك إذا لم تعمل بالرواية فلم لم تقل بنزح الجميع لأنه مما لا نصف فيه حينئذ وأجاب بما نقلنا عنه سابقا في بحث موت الانسان من أنه إذا كان حال موته يجب له أربعون ففي الحياة بالطريق الأولى لان الموت يزيد النجس نجاسة قال صاحب المعالم وهذه الحجة جيدة على أصل ابن إدريس في ترك العمل بخبر الواحد انتهى و أنت خبير بأن ما حمل عليه كلام ابن إدريس في بحث نجاسة موت الانسان واعتقد صحته ينافي ما ذكره ابن إدريس ها هنا واستحسنه (ره) كما لا يخفى وقد أشرنا إليه سابقا فتذكروا العلامة (ره) اعترض على ابن إدريس (ره) بعد نقله ما ذكرنا عنه بقوله والجواب المنع من عدم النص وقد ذكرنا حديث أبي مريم ونمنع عدم أولوية الحي فإن هذه أحكام شرعية تتبع الاسم ولهذا وجب في الفارة مع تفسخها وتقطع أجزائها وانفصالها بالكلية نزح سبع دلاء وأوجب نزح الجميع في البقرة منها لعدم ورود النص هنا وثبوته هناك مع أن الأولوية هناك ثابتة ولم يعتد بها هو فلم يوجب نزح الجميع انتهى ولا يخفى أن دعوى ابن إدريس عدم النص بناء على أصله كما ذكرنا فلا يحسن المناقشة معه ها هنا بوجود الرواية وأما منع عدم أولوية الحي بالنجاسة أو بالنزح واستناده بأن الاحكام تابعة للاسم أي بورود الاسم في النص فغير متجه أيضا لان مراد ابن إدريس أنه ورد النص بنزح أربعين لموت الكلب في البئر وهو إنما يتضمن لملاقاته حيا مع زيادة نجاسة الموت فلا معنى لزيادة النزح له إذا خرج حيا ولم يضم إليه نجاسة الموت وهذا المعنى مما لا يمكن إنكاره نعم لو كان مراده أن الكلب ميتا أنجس منه حيا لأمكن المنع حينئذ إذ العقل لا سبيل له إلى هذه الأمور فيجوز أن يكون له في حال حياته صفة يقتضي زيادة نجاسة وكون الموت منجسا للحيوان لا يفيد في هذا المقام إذ يجوز أن ترتفع نجاسته التي في حال الحياة وتحدث نجاسة الموت التي عامة في ساير الأموات ويكون هذه النجاسة أخف من الأولى ولا استبعاد أصلا فإن قلت نجاسة حال الحياة مستصحبة حال الموت أيضا لعموم أدلة نجاسته وليس بالاستصحاب الذي ليس حجة ففي حال الموت تجتمع النجاستان فلو اكتفى فيه بالأربعين لاكتفى في الخروج حيا بالطريق الأولى كما في صورة موته بعد وقوعه حيا فلا فرق في عدم ورود المنع بين الوجهين قلت العمومات الدالة على نجاسته لا يدل على أزيد من أنه بعد الموت أيضا نجس فيمكن أن يكون نجاسته حينئذ بسبب الموت ولم تكن النجاسة التي في حال الحياة باقية لا يقال على هذا لا يجزم في النجاسات الأخر أيضا بتساوي منزوحاتها في جميع الأحوال لجواز أن يكون نجاستها في الأحوال مختلفة لان العمومات والاطلاقات موجودة فيها مع انضمام الاجماع بل الضرورة أيضا وأما ما ذكره آخرا من أنه وجب في الفارة سبع دلاء مع تفسخها مع أنها أولى من البعرة وكان نظره إلى أن في حال التفسخ يدخل البعرة أيضا في الماء مع زيادة نجاسته أجزاء الفارة فيلزم عليه بمقتضى حكمه ها هنا الاكتفاء فيها بالسبع أيضا ولم يوجب نزح الجميع مع أنه أوجب نزح الجميع لعدم النص فكلام موجه إلا أن يكون نظر ابن إدريس إلى أن التفسخ لا يستلزم وقوع البعرة في الماء لجواز أن لا يكون بعرة في جوفها بخلاف ملاقاته حيا ها هنا واعترض صاحب المعالم على العلامة (ره) بأن هذه المناقشة ليست بشئ فإن منع عدم قوة نجاسته حيا بالنسبة إلى كونه ميتا على ما هو حاصل مراده من منع عدم أولوية الحي مما لا سبيل إليه بعد القول بأن الموت منجس لكل ذي نفس سواء كان طاهرا أم لا وهو مما لا خلاف فيه وقوله أن الأحكام الشرعية تتبع الاسم مسلم لكن ليس المدعى إن الدليل الدال على تعيين نزح الأربعين لموته يدل على تعيين نزحها لوقوعه وخروجه حيا وإنما الغرض أن صورة الوقوع حيا والخروج ليس عليها دليل معتمد فيكون من قبيل غير المنصوص إلا أن إيجاب نزح الجميع لغير المنصوص على ما هو مختاره لا ينافي ها هنا لدلالة الاكتفاء بالأربعين في صورة الموت على نفي الزايد عنها في هذه الصورة أيضا بطريق أولى كما قرر وليس على ما دون ذلك دليل يصار به إليه فتعين الأربعون لتوقف يقين البراءة عليها فظهر إن إيجابها حينئذ ليس بمجرد إيجابها في الصورة الأخرى بل بالتقريب الذي بنياه انتهى وأنت خبير بما في قوله فإن منع عدم قوة نجاسته إلخ لما ذكرنا آنفا وأما قوله وقوله إن الأحكام الشرعية إنما يتبع الاسم ففيه إن مراده أن الأولوية ممنوعة لان الأحكام الشرعية إنما تتبع النص والعقل لا مدخل فيها ولا يعلم الوجه فلعله يكون حيا نجس منه بعد الموت فالأولوية التي يتبادر إليها العقل لا عبرة بها كما لا تعتبر الأولوية التي يحكم بها العقل في البعرة والفارة وحينئذ لا يكون ما ذكره (ره) في مقابله نعم يرد ما أشرنا إليه من أن مراد بن إدريس ليس أن نجاسته بعد الموت يزيد على نجاسته حيا حتى يمكن المنع بل إن النص وقع على الأربعين لوقوعه حيا ثم الموت فقد ظهر إن الوقوع حيا لا يزيد على الأربعين بالنص لا بحكم العقل فإن قلت النص إنما دل على عدم وجوب الزيادة على الأربعين لوقوعه حيا إذا مات بعده فالتعدي منه إلى صورة عدم الموت لا نص فيه والعقل لا مدخل له كما قررت والعلامة (ره) نظر إلى هذا لا إلى أن النص لم يرد في الوقوع حيا أصلا بقرينة أنه أيده بتفسخ الفارة حينئذ ولا يذهب عليك إن التأييد بتفسخ الفارة إنما يصلح قرينة على قول المعترض إذا كان نظر العلامة (ره) فيه على التوجيه الذي مر آنفا وأما إذا كان نظره على أن الفارة أولى بالنجاسة من البعرة فلا وحينئذ يرد عليه منع آخر أيضا والظاهر أن منظوره الأول فتأمل قلت عدم نقصان قدر النزح بسبب حصول نجاسة أخرى مما وقع الاجماع عليه بل كاد أن يكون من الضروريات إلا أن
(٢٣٥)