كردويه الآتية إنشاء الله تعالى فمع كونها ضعيفة السند لا تنافي ما ذكر لان فيها نزح ثلاثين للعذرة المخلوطة بماء المطر فلعل نجاستها قد خففت بسبب المطر فلا يمكن التعدي إلى غيرها ثم إن الرواية كما رأيت متضمنة لحكم الذائبة وغيرها ولا تعرض فيها للرطبة واليابسة فإلحاق الرطبة بالذائبة مشكل وقال العلامة (ره) في المنتهى بإمكان التعدية إلى الرطبة لاشتراكها مع الذائبة في شياع الاجزاء ولأنها تصير حينئذ رطبة والاشتراك ممنوع وأيضا لو حصل شياع الاجزاء والتفرق بحيث يصدق الذوبان فتكون ذائبة حقيقة لا أنها ملحقة بها والوجه الأخير غير محصل المعنى والمراد بالذوبان كما ذكره بعض الأصحاب تحلل الاجزاء وشيوعها في الماء بحيث يستهلكها ويمكن أن يكتفي فيه بتفرق الاجزاء وتقطعها لصدق الذوبان حينئذ عرفا ثم أنه هل يكفي ذوبان البعض أو يشترط ذوبان جميعها فقيل بالثاني نظرا إلى أن الرواية أسندت الذوبان إلى العذرة الواقعة في البئر وهو إنما يحصل بذوبان جميعها وللمنع مجال وقيل بالأول نظرا إلى أن القلة والكثرة غير معتبرة فلو سقط مقدار البعض الذائب منفردا وذاب لاثر فانضمام غيره إليه لا يمنعه التأثير وقد يمنع هذا أيضا فبالجملة الاحتياط في القول الثاني (والدم الكثير كدم ذبح الشاة مثلا) اختلف الأصحاب في حكم الدم فالمفيد (ره) في المقنعة حكم بوجوب خمسة دلاء للقليل وعشرة للكثير وقال الشيخ (ره) في النهاية والمبسوط للقليل عشرة وللكثير خمسون والصدوق (ره) قال بوجوب ثلاثين إلى أربعين في الكثير وبوجوب دلاء يسيرة في القليل وإليه مال في المعتبر وحسنة المصنف في الذكرى وقال المرتضى في الصباح في الدم ما بين الدلو الواحدة إلى عشرين واحتج التهذيب المفيد (ره) بمكاتبة ابن بزيع المتضمنة لوقوع قطرات البول والدم في البئر كما تقدم في بحث نجاسة البئر وقال الشيخ وجه الاستدلال من هذا الخبر هو أنه قال ينزح منها دلاء وأكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع عشرة فيجب أن نأخذ به ونصير إليه إذ لا دليل على ما دونه واعترض عليه بوجوه أحدها أنه ليس في الحديث إشعار بالكثرة بل ظاهره إرادة القلة والثاني أنه مبني على كون الدلاء جمع قلة كما يدل عليه قوله وأكثر عدد إلى آخره وليس كذلك لانحصار جموع القلة في أوزان أربعة مشهورة أو خمسة عند بعضهم وليس هو منها فيكون من جموع الكثرة وهو في الاستبصار قد اعترف به والثالث إن حمل الدلاء على جمع القلة يقتضي الاجتزاء بأقل مدلولاته وهو الثلاثة لان إطلاق اللفظ يدل على أن المطلوب تحصيل الماهية بأي فرد اتفق مما يتحقق فإذا حصلت بالأقل كان الزايد منفيا بالأصل واعترض في المعتبر أيضا بأنا نسلم إن أكثر عدد يضاف إلى الجمع عشر لكن لا نسلم أنه إذا جرد عن الإضافة كانت حاله كذلك فإنه لا يعلم من قوله عندي دراهم أنه لم يخبر عن زيادة من عشرة ولا إذا قال أعطه دراهم يعلم أنه لم يرد أكثر من عشرة فلن دعوى ذلك باطلة ولا يذهب عليك إن ظاهر قول الشيخ وأكثر عدد يضاف إلى هذه الجمع عشرة حيث أقحم لفظة هذا إن مراده أن هذا الجمع جمع قلة لا أن يكون بناء كلامه على أن الجمع إذا كان مميزا فأكثر ما يكون هو مميزا له عشرة حتى يرد عليه إيراد المحقق أحدهما صريحا والاخر فحوى نعم إنما يرد عليه الايراد السابق من منع كونه جمع قلة وكذا الايرادان الآخران وأما ما ذهب إليه المبسوط والنهاية فلا مستند له في الكثير أصلا وأما القليل فقد يستند فيه بالمكاتبة المذكورة تارة بأن يقال أن ظاهرها إن الكلام في قليل الدم لان القطرات جمع صحة ونص سيبويه على أن جمع الصحة للقلة والدلاء جمع قلة وأكثرها عشرة فيجب الأكثر تحصيلا ليقين البراءة وفيه أولا منع كون الدلاء جمع قلة كما مر وثانيا منع وجوب الأكثر بل الظاهر أنه يكفي أقل ما يصدق عليه وتارة بأن الكلام في قليل الدم كما قلنا والدلاء جمع كثرة وأقله العشرة وفيه أولا منع كون أوزان الجمع متفاوتة بالقلة والكثرة حقيقة بل الظاهر ورود كل من وزني القليل والكثير على مصطلحهم بمعنى الاخر ورودا شايعا ذايعا فهو أما حقيقة فيه أيضا وأما مجاز مشهور بالغ حد الحقيقة وعلى التقديرين لا يتم المقصود وثانيا أنه لو تم هذا لزم أن يجب نزح أحد عشر لأنه أقل جمع الكثرة لا العشرة وأما ما ذهب إليه الصدوق (ره) فمستنده في القليل المكاتبة المذكورة ووجه الاستدلال ظاهر وكذا موثقة عمار المتقدمة في بحث وجوب سبعين لموت الانسان ويدل عليه أيضا ما رواه التهذيب في زيادات باب المياه والاستبصار في باب البئر يقع فيها الدم والكافي في باب البئر في الصحيح عن علي بن جعفر (عليه السلام) قال سئلته عن رجل ذبح شاة فاضطربت فوقعت في بئر ماء وأوداجها تشخب دما هل يتوضأ من ذلك البئر قال ينزح منها ما بين الثلاثين إلى الأربعين دلوا ثم يتوضأ منها ولا بأس قال وسئلته عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقعت في بئر هل يصلح أن يتوضأ منها قال ينزح منها دلاء يسيرة ثم يتوضأ منها قال وسألته عن رجل يستقي من بئر فرعف فيها هل يتوضأ منها قال ينزح منها دلاء يسيرة والخبر وإن كان مضمرا في التهذيب والاستبصار لكنه مسند في الكافي إلى أبي الحسن (عليه السلام) والجزء الأول منه رواه الفقيه أيضا عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) في باب المياه والجزء الأخير رواه التهذيب في باب تطهير المياه أيضا ومستنده في الكثير الجزء الأول من الخبر الأخير وهذا المذهب منصور من حيث قوة مستنده وصراحة دلالته لكن التعدي من الدماء التي فيه إلى غيرها كما فعله جمع من الأصحاب مشكل فالظاهر إلحاق ما عداها بما لا نص فيه كما ذكره بعض الفضلاء إن لم نقل بدخوله تحت عمومات التغير لأن الظاهر أنه لا ينفك عن التغير وأما رواية كردويه وزرارة المتقدمتان في بحث وقوع الخمر الدالة أحديهما على نزح الثلاثين لقطرة الدم والأخرى على نزح عشرين لها أو للدم مطلقا فلا تصلحان معارضا لما ذكر لعدم صحة مستندهما مع أن الحمل على الاستحباب أيضا احتمال ظاهر نعم إنما
(٢٢٨)